نود في هذه المقالة أن نخاطب العقول التي تقرأ القرآن بتدبر وتمعن وتفكر، وننبه ذلك القارئ الذي لم ينتبه لهذا البيان. فالمتأمل في قراءته يجد أن هذه الآية وقعت في سياق يذكر حال بني إسرائيل (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ).
إن الخروج من السياق هو أشبه ما يكون بالاستراحة للقارئ، فكما هو معلوم أن الاستراحة لقائد المركبة مثلا إنما تكون للترويح عن النفس والارتياح من مشقة الطريق، ولفحص مركبته والتأكد من سلامتها والنظر في صفاء الجو لما تبقى من المسير. فالاستراحة تكون لقطع التفكير عن الطريق وأخذ قسطٍ من الراحة، حتى يعود لإكمال الطريق من جديد بنشاط وعزيمة.
فالنفس البشرية حين تقرأ هذه الصفات والأفعال من بني إسرائيل فإنها تصاب بالغم والكدر من تصرفاتها تجاه هذه النعم، فالقرآن أراد أن يوقف هذا الشحن النفسي السلبي للقارئ الذكي المتدبر ويخرج به إلى استراحة، حيث إنه لا يجد منقبة جاءتهم إلا قابلوها بالجحود والنكران، فبين الله سبحانه أن اليهود والنصارى والصابئين إذا آمنوا فإن الإيمان كاف بصبغهم بصبغة واحدة، وهي أنهم عند الله في مكان القبول، فالله سبحانه لا يعود عليهم بتذكيرهم بما كانوا عليه قبل الإيمان، فهذه البشرى وسط هذا السياق مريحة للنفس البشرية ومطمئنة لها في بيان سعة رحمة الله.
وفي الوقت نفسه تذكر القارئ ليقدر الرسالة التي جاءته على لسان نبينا محمد ـ صلى الله عليه وسلم ـ ، وبيان أن عدم تقديرها ليس من المنطق في شيء، وأن هذا الذي يذمه سبحانه في الآيات السابقة واللاحقة إنما هو نتيجة التكذيب لسيدنا موسى، فمن يفعل مع سيدنا محمد كما فعل بنو إسرائيل مع سيدنا موسى فإنه سيكون أقبح وأفظع منهم لعلمه بما كتبه الله عليهم من الوعد والوعيد. فهذه الآية استراحة نفسية ومنطقية للقارئ.
ومن هنا نعلم أيضا أن هذا القرآن إنما أنزل للناس كافة من جميع الملل والنحل، وهو ليس بحكر على أمة دون أخرى، وإنما هو هداية لجميع العالمين.
الشيخ إبراهيم الأخضر بن علي القيم - شيخ القراء بالمسجد النبوي