كوثر الأربش
انتشر عبر مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي تسجيل صوتي لامرأة تنتقد مطالبات بعض سيدات المجتمع بقيادة السيارة، قالت أن للمرأة مطالب هامة تفوق أهمية القيادة. أعادتني للمقال الذي كتبته قبل عام تقريباً، حين قلت إنه مطلب ولكنه ليس مطلباً رقم واحد. أذكر حينها أن بعض المثقفات أبدين غضباً واحتجاجاً على مقالي هذا، واعتبرنه ضد النسوية ومطالبها. في الحقيقة وبعد مرور عام على هذا المقال ما زال رأيي في محله. خصوصاً حين صادفت في أحد المطارات سيدة سعودية أرملة تعيش مع ابنها الوحيد الذي يعمل ويتقاضى راتباً لا يزيد عن ثلاثة آلاف ريال، بالإضافة إلى ما تتقاضاه هي شهرياً من الشؤون الاجتماعية بما يقدّر بـ800 ريال. وبالطبع ليست هذه الحالة الوحيدة. لو فقط خفضنا رؤوسنا المتطلعة غالباً للأعلى، لو فتشنا خلف الأبواب المغلقة، وراء الأفواه المتعففة؛ سنخجل من أنفسنا أن أكبر طموحاتنا أن نجلس خلف مقود سيارة نطلب فرابتشينو من أحد محلات القهوة السريعة. امرأة اختطف رجل سنوات شبابها ثم ركلها خارج بيتها، وأبدلها بمن في عمر بناتها! امرأة يحتجز طليقها أوراقها الرسمية وهي ترى السنوات تأكل صغارها دون أن تتمكّن من إلحاقهم بصفوف الدراسة. فتاة محتجزة في المنزل وولي أمرها يرفض تزويجها، لسبب لا تعرفه، تراقب شعراتها البيضاء وهي تتضاعف دون أن تشفق السنوات. امرأة كل ما تفتش عنه، لقمة تسد أفواه أطفالها الذين يحلمون ببيجاما نظيفة وبنطلون جديد، امرأة ماتت أمامنا وهي توفر راتبها القليل لتطعم صغارها من والد مدمن، تطول الليالي والأيام دون أن تسد جوعها، ماتت وهي تلهج باسم ابنها الجميل «يوسف». إن ما ذكرته هنا قصص حقيقية صادفتها في غرف انتظار المستشفيات، وكراسي انتظار الصالونات النسائية. إن هؤلاء النساء لا يمتلكن قلماً يعبّرن به عن آلامهن الدورية نهاية كل شهر، حين يأتي وقت إيجار الشقة، أو حين يذهب ابنها المراهق ليعمل فيما أقرانه يذهبون لتحصيل العلم في المدارس ككل طلاب العالم. إن أماً تنحني الليل بطوله على سعفات نخلة، لتصنع منها سلة أو سفرة طعام تبيعها ببضعة ريالات، والكثير من ألم المفاصل. لن تفكر في نوع السيارة التي ستقودها لو سمح لنا بالقيادة. إنه ترف أكبر من أحلامها. إنني كما قلت سلفاً في مقال قديم، لست أقلّل من شأن مشكلة المواصلات، ولا أعتقد أن منع المرأة مبرر ومنطقي، غير أنها ليست ما يشغل امرأة المملكة في كل النطاقات والمدوالقرى. التي تريد أن تمثّل المرأة عليها أن تخرج قليلاً من بلكونة بيتها، تغلق ستارتها المخملية، وتصغي لآلام بنات جنسها. وقتها ستدرك أنها وهبت صوتاً وقلماً لتتحدث بما تحتاجه كل النساء، وليس ما تحن إليه فقط. ليس ما يحل مشكلاتها الثانوية فقط.