د. محمد عبدالعزيز الصالح
دائماً ما يتبادر إلى ذهني التساؤل التالي: هل لدى الأجهزة الحكومية الخدمية القدرة على توفير التفتيش والرقابة اللازمة على جميع الأنشطة المقدمة للمواطنين من قبل مؤسسات وشركات القطاع الخاص كلِّ في مجاله وفي جميع مناطق المملكة؟
فهل لدى وزارة التجارة الإمكانات البشرية الكافية لتوفير الأعداد اللازمة من المراقبين على جميع المنشآت التجارية.؟ ومع خالص تقديرنا للجهود التي تبذلها وزارة التجارة في هذا الخصوص مؤخراً, إلا أنني أجزم بأنها لن تتمكن من ضبط جميع الأسواق في جميع المناطق لأن الأمر يحتاج لتوفير الآلاف من المراقبين والمفتشين.
وبالنظر إلى ما ترتكبه الكثير من العيادات الخاصة والصيدليات والمستوصفات والمستشفيات الأهلية من تجاوزات ومخالفات صحية, كل ذلك يجعلنا نجزم بصعوبة الأمر على وزارة الصحة لإحكام الرقابة على كل ما يقدم من خدمات من قبل تلك المنشآت الأهلية المنتشرة في مختلف محافظات ومناطق المملكة, لأن الأمر يحتاج أيضاً إلى توفير الآلاف من المراقبين والمفتشين الصحيين, وهو ما لا تستطيع الوزارة توفيره.
كذلك نجد أنه قد يصعب على وزارة البلديات إحكام الرقابة على مختلف الأسواق والمحلات في مختلف المناطق والمحافظات, مما قد يترتب على ذلك انتشار المخالفات البلدية على مختلف أشكالها, وسبب ذلك تعذر توفير الأعداد الكافية من المفتشين ومراقبي البلدية والذين نحتاج إلى الآلاف منهم إذا ما أردنا أن نحكم الرقابة على مختلف الخدمات البلدية المقدمه للمواطنين.
ما تم ذكره عن صعوبة ضبط ومراقبة التجاوزات في الأنشطة التجارية والصحية والبلدية, يمكن أن يقال أيضاً عن التجاوزات التي تحدث من المنشآت الصناعية والزراعية والنقل وغيرها من المنشآت الأخرى المنتشرة في مختلف مناطق المملكة.
واقتراحي هنا يتمثل في إتاحة الفرصة للاستفادة من أكبر شريحة ممكنة من المواطنين لتتولى دور الرقيب, وتكون عين الدولة في كشف التجاوزات والمخالفات التي تحدث من كافة المؤسسات والشركات الأهلية على مختلف تخصصاتها وفي كافة مناطق المملكة, وعلى أن يكون ذلك مقابل مكافآت مجزية تقدم للمواطن عند الإبلاغ وكشف أي مخالفة أو تجاوز.
اقترح أن يُدرس هذا المقترح لدى الجهات العليا في الدولة كمجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية بالتنسيق مع الأجهزة التنفيذية ذات العلاقة, وأن يتم وضع الأنظمة واللوائح التي تتيح الفرصة لكل مواطن بالإسهام في الكشف عن أي مخالفة تُرتكب من قبل أي مؤسسة أو شركة في جميع الأنشطة وفي مختلف المناطق مقابل مكافآت مالية مجزية, وأن يتم إنشاء مكتب في كل منطقة يرتبط بإمارة المنطقة ويتلقى اتصالات المواطنين المبلغين عن المخالفات, وعلى أن يخصص أرقام هواتف موحدة لتلك المكاتب, كما اقترح أن يكون هناك لجنة إشرافيه عليا في كل منطقة أو منطقة تشرف على ذلك وترفع تقرير دوري لأمير المنطقة والذي بدوره يرفعه للجهات العليا في الدولة, واقترح أيضاً وضع لائحة بالمكافآت مع أهمية أن تكون المكافآت مجزية وكبيرة, وعلى أن يتم تحصيل واقتطاع كامل مبالغ المكافآت من مبالغ المخالفات التي يتم فرضها على المؤسسات والشركات التي يتم التبليغ عنها وبحيث لا يتم تحميل خزينة الدولة شيئا منها.
ختاماً, مع خالص تقديري لكافة الجهود التي تبذلها الأجهزة الحكومية في مجال التفتيش والرقابة على المخالفات التجارية والصحية والبلدية والزراعية وغيرها من المخالفات التي ترتكبها المؤسسات والشركات, فإن هذه الجهود لن تكون كافية لكشف غالبية تلك المخالفات، خاصة إذا ما علمنا بأن مساحة المملكة (25و2 مليون كيلومتر مربع) وتقسيمها إلى ثلاث عشرة منطقة إدارية, كل منها شاسعة المساحة وكثيفة السكان ومكتملة بعناصرها التنموية, وهو ما يجعل الكثير يرى بأن المملكة عبارة عن قارة وتتكون من ثلاث عشرة دولة. ولذلك أوكد على أهمية مشاركة جميع المواطنين في التصدي لتلك المخالفات, وما لم يتم ذلك, سوف تستمر تلك المخالفات الجسيمة دون إحكام, كما سوف تسهم في تعطيل مسيرتنا التنموية, وهو ما يعني عدم تمكن وطننا الغالي في اللحاق بركب الدول الأكثر تقدماً.