د. محمد عبدالعزيز الصالح
لهذا الملف ارشيف قديم في السوء وعدم المعالجة وألم من اخلاقيات بعض المستثمرين، واللامبالاة منهم بهذا الهم، لأن فائدته في الآخرة ولا يمكن أن يستثمر في الدنيا بمقابل مادي, وكذلك في تنازع الصلاحيات فيه بين وزارات الشؤون الاسلامية والبلدية والقروية والدفاع المدني والنقل وهيئة السياحة وبترومين, وإن كنت اجزم بأن اكبر المآسي في هذا الملف يتحملها المستثمر الذي قام ببناء المحطة على الطريق وترك الحبل على الغارب دون أن يُلزم من استأجر المحطة ومرفقاتها بأن عليه صيانة المسجد ومرفقاته وتخصيص عامل لنظافته والعناية به ولا شيء يردعه اذا لم يلتزم بذلك، فلا غرامة تفرض على المقصر، ولا اغلاق لمحطته، ولا شك أن لبلديات المحافظات وأمانات المدن دور في هذا السوء والتقصير.
كما تلام وزارة الشؤون الإسلامية لعدم تبنيها لهذا الملف، كونها المعنية بالمساجد واماكن العبادة، ولا يمكن أن نقبل منها تعذرها ببعد هذه المساجد وأن صلاحيتها تقتصر على داخل المدن، اما خارجها فهو خارج نطاق إشرافها، ولذا تبرأت منها الوزارة, كما أنها لم تدعم اللجنة التي صرحت لها الوزارة كي تتولى هذا الملف الذي اكسب وجهنا الحضاري بالسواد والتنموي بالتخبط, واعتقد بأنه لا يوجد ما يمنع الوزارة من الدعم إلا خوفها من أن يوكل لها ملف مساجد الطرق ويضاف الى نطاق صلاحياتها لأنها لم تغطِ مساجدها الـ 96000 مسجد داخل المدن بفعالية ( 15000 جامع + 81000 غير جامع ) فكيف ستتمكن من تغطية المساجد خارج المدن !!!!! علما بأن عددها قليل لا يتجاوز 4000 مسجد، أي ما يعادل 4% من طاقتها الحالية وهو عدد قليل اذا وزع على فروع الوزارة بالمناطق.
وقد صرَّح معالي وزير الشؤون الإسلامية السابق بأن مشروع الملك عبدالله لتطوير المساجد لم يصرف منه ريال واحد وهو الذي رصد له 500 مليون ريال, كما تستطيع الوزارة أن تصحح وضع مساجد الطرق بإنشاء صندوق مع وزارة البلديات وترصد له ما تراه من مبالغ كمرحلة اولى والباقي تتولاه البلديات والمستثمر، على أن تفرز مساحة المسجد من المحطة وتخصص ملكيتها للوزارة كغيرها من المساجد الاخرى, او أن تعمل الوزارتان على استهداف بعض المساجد الكبيرة في محطات الطرق، بحيث نضمن وجود مسجد نظيف كل 20 كلم متر، وتوضع عليه لوحة وكذلك على المحطة بأن هذا المسجد ومرفقاته تحت عناية الوزارة المختصة، وهذا سيؤثر ايجاباً على استثمار المحطة وكثرة روادها وبالتالي زيادة الدخل من تفاصيلها المتعددة, ويبقى الدور المهم على وزارة البلديات في المراقبة وايقاع الغرامات المناسبة وفق آلية دقيقة على صاحب المحطة الذي لم يطبق التعليمات التي اهمها تخصيص عامل دائم وعاملة دائمة لصيانة المسجد ونظافته, مع ضرورة التوأمة مع اللجنة المعنية بهذا الامر ( المؤسسة الخيرية للعناية بمساجد الطرق «مساجدنا» ) والتي صرحت لها مشكورة وزارة الشؤون الاسلامية وتركتها دون دعم مالي يمكنها من اداء رسالتها وانما اوكلتها لدعم المحسنين وتبرعاتهم لها.
لماذا لا نستفيد من تجارب دول العالم التي جعلت من محطات الوقود التي على الطرقات متنزهات مكتملة الخدمات من اعاشة وسكن وترفيه وتسويق، فلا تجدك تعاني من عناء الطريق وإن طالت بك المسافات ودول شرق اسيا اقرب الامثلة لأن الحديث عن واقع الدول الاوربية والامريكية ربما يقع في عداد الاحلام وليس الاماني, ألسنا من ندعو في كل سفر الله ونعوذ به من وعثاء السفر وكآبة المنظر ونجدها دوماً تصاحبنا في اسفارنا لأن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم, اين انتهت ركاب المشروع الخيري الذي كان احد اوقاف الشيخ سليمان الراجحي، ولماذا وضعت العراقيل في طريق إقامته بعد أن جهزت مخططاته وصرف عليها الكثير من المال والجهد ولم يبق الا تحديد الاراضي التي ستقوم عليها المشروعات الخيرية لتنقلنا الى عالم ارحب من الإنسانية وقيمة الإنسان فيها ويُبرز عنايتنا بالمسجد ومرفقاته ويجعل من هذا المشروع قيمة مضافة لإنسان هذا الوطن الكريم, ولماذا قتلت معه الاستثمارات الخيرية التي ستعود على مفردات كثيرة من احتياجات الاسر والمجتمعات عبر عمل مؤسسي دقيق باركه في وقته جميع المخلصين وتوقعوا أن يدعم هذا التوجه على مختلف المستويات لأنه محقق لأماني المواطنين والوافدين إلا أنه اجهض بالكامل.
ختاماً, بقي على المهلة التي وافق عليها مجلس الوزراء لإصلاح حال محطات الطرق ومرفقاته (بما فيها المساجد) قرابة الخمسة أشهر من المدة التي كانت سنتين ولم يتغير في الأمر شيء سوى منح تصاريح لشركات تتولى تشغيل وتطوير محطات الطرق ومرفقاته والترتيب لتصاريح اخرى، ولكن هذا يعني أننا سنحتاج لأعوام عديدة حتى نرى شيء يسرنا ويغير واقعنا المحزن, وإن كنت ارى أن بمقدور وزارة الشؤون البلدية أن تغير الواقع خلال شهر او شهرين بالإعلان عن غرامات لأصحاب المحطات التي يرد من تقارير المتابعة عن إهمال في المسجد ومرفقاته والعناية بها مع منح شهر لإصلاح الحال او البدء في تطبيق الغرامة التي قد تصل للإغلاق. إن جميع القادرين على تغيير الحال مطالبون أن يقدموا ما يستطيعون لتغيير الواقع.