عبدالعزيز السماري
أخذت مسألة فرض رسوم على الأراضي البيضاء جدلاً طويلاً، وكانت خلال السنوات الماضية مثارًا للأخذ والرد، وما زالت لائحتها التنفيذية في مرحلة الإعداد بعد إقرارها رسميًا، وكان موقف كبار العلماء في مرحلة سابقة يعتبرها من المكوس المنهي عنه.
سأحاول أن أطرح وجهة نظر، تحتمل الخطأ والصواب، لكنها قد تمثل رأي البعض في المجتمع، لكنها في نهاية الأمر ستبقى مجرد رأي في مسألة شائكة، وفي مجتمع ما زال يبحث عن منهج واضح للتعامل مع قضاياه الطارئة كلما تقدم مسار في التنمية.
جاء إعلان القرار من أجل حل أزمة السكان على وجه التحديد، التي يعتقد بعض الخبراء بأن فرض الرسوم سيؤدي في المستقبل إلى تخفيض أسعار الأراضي، بينما يرى آخرون أن القضية أبعد من ذلك، ففرض الرسوم على الأراضي البيضاء فيه دخول على الملكية الخاصة للمواطن..
ويبرر هذا الرأي موقفه من أن كثيرًا من المواطنين قد عمل واجتهد في حياته العملية من أجل توفير مبلغ يشتري به قطعة أرض ليحل أزمة السكن لديه، وليبني له ولأبنائه مساكن في المستقبل، فكيف إذن يقتطع النظام جزءًا من ملكيته ليحل مشكلات الآخرين في السكن.
في هذه الإشكالية تبرز أكبر تحديات رسوم الأراضي البيضاء في المستقبل، الذي يجب أن تقوم أولاً على فهم أسباب الأزمة، وكيفية حلها، ولا يخفى على مواطن أن الموقف الحازم من الأراضي البيضاء الشاسعة وغير المستغلة في وسط المدن، كان بسبب إهمالها وعدم استثمارها.
ومن أجل فهم جذور المشكلة، لا بد من التنويه إلى أن ملكية أغلب هذا الأراضي الشاسعة جاء من خلال قرارات منح، لكنه لم يتم إحياؤها، ولم تستثمر بالطريق الصحيح بعد تملكها، وتُركت بيضاء في وسط المدينة، ومن خلال هذه الرؤية قد نفهم مسألة فرض رسوم على الأراضي، لكنها قد تعد معالجة عامة لمشكلة خاصة بفرضها رسومًا على العام، بدلاً من معالجة قضية الأراضي البيضاء الشاسعة فقط..
في هذا السياق أيضًا يجب أن نفهم جيدًا خلفية ضريبة الأملاك كما تطبق في الغرب، وأن ندرك أن هناك اختلافات جوهرية بين مفهوم الدولة هناك، وبين مفهومها في الشرع الإسلامي، وأن استقدام مثل هذه الأنظمة من دون فهم لتلك الخلفية ومتطلباتها سيخلف متاعب في التطبيق في المستقبل.
من الحكمة أن نعي أن فرض رسوم أو ضرائب على الأراضي أو غيرها من الملكيات سيكون له تبعات أخرى، وقد يحدث ضررًا بمصالح المجتمع، وذلك لأسباب لها علاقة بتطور وعي المجتمع المدني، ورغبته في المشاركة في مراقبة عمليات تحصيل أموالهم في الحسابات الحكومية، وكيف ستكون كيفية صرف هذه الأموال في المجتمع..
في هذا الإطار لا بد من التنويه على الاختلاف المعرفي بين الدولة في الغرب الذي يعتمد النفعية كمنهج عام للدولة، وبين الدولة التي تستمد أنظمتها من المقاصد الشرعية في الإسلام، ولعل أشهر الحلول «الإسلامية»، التي يمكن أن تثري الدولة لحل أزمات الإسكان وغيرها هو تفعيل فرض الزكاة ذو الخصوصية الإسلامية على عمليات البيع والشراء من دون انتظار عامل الحول..
ويتوجب ذلك تطوير أدوات الزكاة في عمليات البيع والشراء بالشكل الملائم، وكما هو متعارف عليه في السوق يأخذ السمسار قيمة ربع العشر من ثمن أو إيجار الأرض أو المبنى المباع أو غيره، ولو تم الاجتهاد في إقرار فرض زكاة بمقدار نصف ربع العشر أي 1.25 في المائة، لتحققت الفائدة على الجميع.
على أن يتم تحديد حصة السمسار في النصف الباقي من ربع العشر، وفي تطبيقها سترتفع إيرادات مصلحة الزكاة مئات الأضعاف، هذا إذا أدركنا الارتفاع الهائل في حجم المبيعات اليومي في الأراضي والمباني في المملكة، ويمكن تطبيق زكاة البيع على الإيجارات، وعلى بيع مختلف البضائع كالسيارات المستعملة وغيرها..
بهذه الطريقة لن تحتاج الدولة إلى أن تلجأ إلى نسخ أسلوب غربي يحمل في طياته خصوصيات وثقافات مختلفة، ومضمونة اقتطاع جزء من ملكية الأفراد الخاصة، ولكن ستطبق أسلوبًا متطورًا من الزكاة الشرعية على عمليات الشراء والبيع في الأراضي وغيرها، وسيكون مدخولها عاليًا..
وسيكون في مقدور الدولة بناء المجمعات السكنية في مختلف المناطق على المحتاجين، وفي الحالة الخاصة في عدم استثمار الأراضي البيضاء الشاسعة من قبل ملاكها، يتم تطوير نظام آخر لمعالجة أولاً أسلوب منح الأراضي الشاسعة للأفراد، وثانيًا يقدم حلولاً مجدية للتأخير في استغلال الأراضي البيضاء الشاسعة في وسط المدن.. والله ولي التوفيق.