د. منال عبد الكريم الرويشد
ما الذي يميز فناناً عن فنان آخر في الساحة التشكيلية؟! كثرة الإنتاج والمشاركات؟ أم أصالة الأعمال؟! أم قرب موضوعاتها من إثارة مشاعر الجمهور؟! أم الجدة والحداثة والمعاصرة في التعبير والأداء والإنتاج؟! هل تتميز الأعمال بفكرة العمل الفني؟ أم مستوى الأداء؟! أم بمساحة العمل كبيراً أو صغيراً؟! أم بنوعية الخامة التي استخدمها الفنان ومدى معالجة العمل بالوسائط؟ وأيها أهم، الفكرة والموضوع للوحة التشكيلية؟ أم مهارة الفنان في الأداء؟ أم كلاهما؟
في كل مرة أقف في معرض تشكيلي، أو أتأمل لوحة أو عملاً ما، أبدأ بقراءة تحليلية للعمل الفني الجاذب الذي يتفق على جمالياته عدد من المتلقين والمتذوقين له، وتثار لدي أسئلة عن سبب إقبال الجمهور على أعمال معينة، وكذلك سبب اقتناء أعمال فنان ما بكثرة. فما مدى دور استجابة الجمهور لأعمال فنان دون الآخر؟! وما سبب اختيار لوحات أو أعمال فنية دون أخرى؟ هل يرتبط بالاتجاهات التشكيلية في التعبير؟ أم بمدى اختيار الواقعية أو التعبيرية أو السريالية أو غيرها من الاتجاهات؟ هل للحركة في اللوحة؟ وما مدى التأثير العاطفي لإحداث التفاعل؟ ما الجسور التي بها يصل المنتج الفني إلى المتلقي ويُحدث أثر الاستجابة؟
هل تحققت الألفة داخل اللوحة؛ لتكون جاذبة ومثيرة للتأمل؟ هل للتجربة الذوقية والثقافة البصرية دور في ذلك؟! هل للمفاهيم الجمالية والتشكيلية أثر على المتلقي لتحقق جوهر العملية الإبداعية؛ وبالتالي يوجه الذائقة لدى الجمهور في اختيارات الأعمال الفنية؟
الحقيقة، إن العلاقة بين الفنان التشكيلي والجمهور المتلقي علاقة طردية وعلاقة عكسية؛ فالقضايا الاجتماعية والحالات الوجدانية لها دور كبير على الإبداع الفني؛ لأن تعبير الفنان بحس تعبيري جميل ينتقل للمتلقي بلغة تعبيرية صادقة مؤثرة لانفعالات صادقة مع سلامة الأفكار ورهافة المشاعر، وجميعها تشكل رسائل من فنان إلى متلقٍ يتوق إليها الجمهور، ويجتمع عليها الغالبية. من كل هذا نصل إلى أن ما يخرج من القلب يصل إلى القلوب، ويسكنه، ويُحدث أثراً به.
وفي الوقت نفسه هناك أعمال فنية تنفذ بذكاء ومهارات بقصدية كاملة لجذب الانتباه، ولتكون أكثر شعبية وأكثر قرباً من ذائقة الجمهور، وهي أعمال ترتبط بنواحٍ اقتصادية تجارية، إما بتجارب متراكمة، أو بأثر لدراسة جدوى وحاجة السوق وإقبال العامة على نوع من المجالات التعبيرية واستخدام أساليب الطباعة للنسخة الواحدة. وقد اتجه البعض إلى حاجات الجمهور بالتجارة في الفن، ونجحت مشاريع وبرامج موجهة لذلك، وأحدثت تغييراً اقتصادياً نوعياً. ولكن في النهاية اللوحة أو العمل الفني الذي ينتج بإحساس وانفعال ومشاعر، ويكون ببوح حروفه من خطوط وألوان، تختلف عن اللوحة المنفذة لكونها سلعة بيع.