إبراهيم عبدالله العمار
في السابق كنت أتعجب مما أراه في الخيال.. في أفلام الكارتون أو المسلسلات أو الأفلام؛ أراها تحوي قصصاً غريبة، ومصادفات يستنكر الشخص حدوثها في الواقع. لكن الخيال جزء من متعة الترفيه المرئي؛ لذلك لم أُكثر من التفكير فيها.. لكن كلما اطلعتُ على قصص الحياة الحقيقية ازددت يقيناً أن الحياة يمكن أن تكون أعجب من الخيال!
من القصص المدهشة القصة التي اعتمد عليها فيلم «إدانة» الذي صدر عام 2010م. وأنا لا ألقي بالاً للأفلام الأمريكية؛ لأنها لا تحكي القصص الحقيقية كما حصلت، بل تضيف عليها المبالغات والزيادات؛ لذلك سأحكي القصة الحقيقية كما حصلت؛ لنرى غرابة هذا العالم الذي نعيش فيه.
هي قصة الأمريكي كيني واترز. كيني سُجِنَ ظلماً بعد أن اتُّهِم بقتل امرأة، ووُضع في السجن عام 1983م. ورغم تظلّمه وإصراره على براءته، وأن الشرطة لم تتحرّ وتتحقق جيداً من القضية، إلا أن هذا وقع على آذانٍ صمّاء؛ ومكث في السجن سنين، ولم يخرج إلا عام 2001م، بعد عمرٍ طويل خلف القضبان لجريمة لم يرتكبها، وذلك بعد أن أثبت فحص الحمض النووي براءته مما نُسب إليه.
ليس غريباً أن يُسجَن شخص بالظلم أو الخطأ، وإنما الجدير بالملاحظة هو أن «بيتي»، أخت كيني، هي التي أخرجته. كيف؟ كانت بيتي واثقة بأن أخاها لن تثبت عليه التهمة؛ لأنه بريء، لكن بعد أن أُلصِقَت به التهمة قررت أن تكرّس حياتها لإخراجه من السجن. فكيف فعلت هذا؟ كانت بيتي قد تركت دراستها الثانوية، ولما عزمت على إخراج أخيها رجعت للمدرسة التي هجرتها سنين، وواصلت دراستها الثانوية (وكانت في التاسعة والعشرين من عمرها آنذاك)، ثم أكملت الدراسة الجامعية بمثابرة وعزيمة، وتخصصت في القانون، وحصلت على الشهادة الجامعية، وكانت وقتها تتواصل مع مؤسسة اسمها «مؤسسة البراءة»، وهي جمعية خيرية، هدفها إخراج المسجونين خطأً. وبعد سنوات من العمل الشاق الدؤوب استطاعت بيتي عام 2000م أن تحصل على أدلة قاطعة على براءة أخيها، تعتمد على الحمض النووي، وسلّمتها للقضاء، وأخذت الأدلة مجراها؛ وأُفرِج عن أخيها كيني عام 2001م، بعد أن قضى 18 سنة وراء القضبان؛ وفرحت فرحة عظيمة بهذا.
لم تكتمل فرحتها؛ ونصل الآن لجانب غامض من القصة؛ فبعد ستة أشهر فقط من خروجه واستمتاعه بالحرية التي فقد معناها، بعد أن قضى أكثر من ثلث حياته في السجن، مات كيني في حادثٍ غريب. كان يمشي ذات يوم قاصداً بيته، وتعثر، ووقع على الأرض؛ فانكسر رأسه؛ ومات! هكذا بكل بساطة!
18 سنة بين القتلة والمجرمين ولم يصبه بأس، وفقط 6 أشهر في الحرية والأمان ويلقى حتفه! ولا تتوقف الحياة عن إدهاشنا بمثل هذه الغرائب.