د. عبدالعزيز الجار الله
لكل مدينة من مدن بلادنا حكاية ساطعة، ومدينة بريدة بالقصيم لها أكثر من حكاية، ولها أكثر من سالفة معتقة، عذبة المذاق، وأخدودية الحزن، لها بعض الجراحات الغائرة. وأجزم أن بريدة حزنها أشبه بالحزوز التي تحفر في واجهات الصخور، أو وسوم حبال السواني والغروب على أعالي وفوهات الآبار. هكذا تاريخ المدن الداخلية ومدن الصحراء، إما حكايات غائرة عميقة أو حزوز ووسوم. وبريدة لها حكاية مع: الرمل، الغرق، المطر، المنخفضات الزراعية الخبوب، العقيلات ورحلة الآمال المرة.
عاشت بريدة الكبرى (المدينة والمراكز والقرى المحيطة بها) أجمل تضاد تتعاقب فيه الظواهر الجغرافية، وتسهم في تنويع البيئات وتعددها من الغرب إلى الشرق: الجبال تعقبها الرمال، ثم المنخفضات الزراعية والسبخات الملحية، تليها الحافات الصخرية (مرتفعات على هيئة سلسلة جبال طولية)، ثم الصفراوات الحجرية (ظهرة الحافات المنحدرة).
أما ما يميز بريدة جغرافياً واستيطانياً عن باقي مدن المملكة فهو أنها المدينة الوحيدة التي نشأت معظم أحيائها السكنية على الكثبان الرملية باستثناء شمالها، أي أن الأحياء (افترشت) النفود بعد العمران الأخير بانتقال الأحياء السكنية من منخفضات الخبوب (جمع خب الأرض المنخفضة) إلى أعالي الكثبان الرملية؛ إذ تحولت معه معظم بريدة إلى مدينة في أعالي النفود، وغطت المباني والمشروعات والأسفلت النفود.
استوعبت بريدة ما حولها من كثبان رملية: نفود الغماس، نفود بريدة، نفود الطرفية، نفود السر (صعافيق)، نفود الدهناء عرق المظهور ونفود الثويرات. فهناك مدن عديدة نشأت بجوار الكثبان الرملية والنفود، لكنها لم تتجسد كما جسدتها بريدة بالأنماط التخطيطية والكثافة الاستيطانية والحياة العمرانية. ومن المدن التي جاورت الكثبان: عنيزة، البكيرية، البدائع، الأسياح، الشماسية، الربيعية، وغيرها بالقصيم. مدن الشرقية: الخفجي، الجبيل، الدمام شرقي رمال البيضاء، الأحساء غربي الجافورة، نجران غربي الربع الخالي، الخرج غربي الدهناء، حائل جنوب شرق النفود الكبير، الجوف - سكاكا شمالي النفود الكبير، الخماسين جنوبي عرق الوادي، المزاحمية شرقي نفود قنفذة، شقراء غربي نفود عريق البلدان، رنية غربي عرق سبيع.
فالفارق بين المدن التي جاورت الرمال وبريدة أن بريدة بنيت على مجموعة الكثبان مباشرة، وليس بجوارها، ونتيجة لالتقاء عوامل عدة: التكوين الجغرافي للمدينة، نقص شبكات تصريف السيول وإنشاء مخططات عمرانية لم تراعَ فيها طبوغرافية الأرض، الأودية والمنخفضات أدت إلى غرق بريدة.