حمّاد السالمي
ونحن في المملكة العربية السعودية؛ لسنا وحدنا من يتعرض لعمليات إرهابية قذرة، ويواجه عدوًا يطلب الموت لنفسه قبل خصمه. معظم دول وشعوب العالم تواجه المشكل ذاته، وتقدم تضحيات كبيرة من الأنفس والممتلكات. الفارق هنا بيننا وبين غيرنا من دول بعيدة أو حتى قريبة، أننا تلقينا
الضربات الأولى منذ أكثر من عقدين، وكانت في مجملها تتبع مرجعيات دينية متطرفة فقط، أما اليوم؛ فنحن نواجه المزيد من هذه الضربات التي أصبحت ممنهجة ومنظمة، ولها مرجعيات سياسية وعسكرية، إلى جانب المرجعيات الدينية المتطرفة الحاضنة في الأساس.
أسئلة لا سؤال واحد ينبغي أن ترتفع بقوة فوق كل هامة وطنية في بلادنا: ما الذي تعلمناه من دروس خلال العقدين الفارطين..؟ ما الذي فهمناه وما الذي لم نفهمه من هذه الحالة المشينة التي تستقطب بعض شبابنا بكل بساطة وبلاهة، ثم تحيلهم بين يوم وليلة إلى قنابل متفجرة، وأحزمة ناسفة، تستهدفنا في مساجدنا وفي مؤسساتنا الأمنية والاجتماعية..؟
إذا كنا نحقق النجاح تلو الآخر- بحمد الله- في التعاطي مع أدوات الإرهاب على صُعد عدة؛ وفي مقدمتها الصعيد الأمني المشهود له في الداخل والخارج، وكذلك الصعيد الإعلامي والثقافي؛ فإلى متى سوف نستمر في التعامل مع أدوات الموت هذه بردات فعل أمنية وإعلامية وثقافية..؟
مثل هذا الطرح الذي أنا بصدده؛ يقودنا إلى نظرية ( البيضة والدجاجة ).. أيهما أولاً..! بمعنى: هل نحن معنيون فقط بأدوات الإرهاب في التتبع والملاحقة وإنهاء الأخطار المتوقعة منها..؟ أم هناك ما له أولوية في المعالجة ووقف إنتاج أدوات إرهابية جديدة من بين شبابنا..؟
إذا كان الإرهاب نتيجة لسبب؛ فالسبب ما زال قائماً بيننا وفي جوارنا، والمتسبب ما زال يسرح ويمرح بيننا وفي جوارنا، فهو يبيعنا أفكاره المتطرفة في كتب نشتريها بأموالنا؛ فنودعها مكتباتنا المدرسية، ومكتباتنا العامة، وتتغذى عليها عقول صغارنا، وهو ما زال يظهر علينا في القنوات الفضائية، ويتسلل إلينا من قنوات التواصل الاجتماعي، ويتحدث باسم الله جل وعلا، وباسم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفق مفاهيمه المحنطة، وأفكاره المتحجرة، فيصنف مواطني البلد الواحد بين مؤمن وكافر، وسني وشيعي، وتقي وفاسق، وملتزم ومنفلت. يُكفّر ويُنفّر بلا حسيب ولا رقيب، ويزيد على ذلك بإيماءات وإيحاءات؛ تبني في جدار الخروج على الحاكمين، وتفرق شمل المحكومين، ويدعم سرًا وجهرًا الخوارج الجُدد، في منظمات إرهابية خبيثة، بدءًا من القاعدة حتى النصرة وداعش. من هنا بدأ المشكل الذي نعيشه ونعاني من ويلاته، وما زال المشكل قائمًا، وهو الأولى بالتتبع والمعالجة، حتى يأتي اليوم الذي تجف فيه منابع الإرهاب الفكرية والمالية، فيسهل علينا اصطياد الشراذم المتبقية من أدواته في الداخل والخارج.
لا ينبغي أن نركن إلى فكرة واحدة للحل، ولا إلى شريحة واحدة من الناس؛ تقترح بعض الحلول ثم تعكف عليها سنوات وسنوات، ونصرف عليها مئات المئات من الملايين دون جدوى. برنامج ( المناصحة ) ماذا قدم لاجتثاث الفكرة الشيطانية من عقول الخاضعين له..؟! وليس الآخرين الحاملين لفيروس المرض خارجه، خاصة وقد رأينا الانتكاسات التي سجلها عشرات ممن تحايل وخادع، حتى حصل على امتيازات وإكرامات وإفراج، ثم عاد إلى سيرته الأولى أقوى مما كان.
مقاومة أدوات الإرهاب والتعاطي معه بكل فطنة وقوة كما تسجل الأجهزة الأمنية؛ جهد غير كاف لردع الخطر الداهم المتمثل في الإبقاء على منابع الإرهاب مفتوحة أمام الشباب. الشباب الذي ولد مع ولادة العمليات الإرهابية في الخبر وفي الرياض ومكة وغيرها أو حتى بعدها. نتطلع إلى خطة استراتيجية تردم هذه المنابع الخطرة على رؤوس أصحابها، وتوقف الزحف التكفيري المتدثر بالدين، وتجرم التمييز الطائفي والردح المذهبي، وتجعل المشترَك الوحيد بين خمسة وعشرين مليون مواطن سعودي هو فقط (المواطنة)، التي يلتقي عندها كافة المواطنين الصادقين الصالحين ولا يختلفون حولها.
هناك مستحقات وطنية متوجبة اليوم؛ على كل من كفّر أو فجّر، وكل من فسّق أو علمن أو مذهب أو تسبب في تضليل الشباب والتغرير بهم، بكتاب أو شريط، أو بكلام صريح أو تلميح، أيًا كان مكانه. يجب أن يُسأل عن جرمه ما سلف منه وما خلف، ومن حقنا في بلادنا هذه التي نحرص على أمنها واستقرارها، أن يخرج هؤلاء عبر الوسائط والقنوات التي انطلقوا منها في البدء، وتسببوا في مشكل الإرهاب الذي نعانيه بكل مرارة.. أن يخرجوا ليقولوا لهذا الشعب الوفي المحب لدينه ومليكه ووطنه: ( نحن آسفون على ما بدر منا.. كنا غالطين ). نعم.. إن من هذا الشعب أسر كثيرة فقدت أبناءها ورجالها ونساءها بفعل أدوات الإرهاب التي تتلمذت وتربت على أيدي هؤلاء المكفرين المصنفين، الذين ما زالوا يصرون على مواقفهم القديمة، ظانين- وبعض الظن إثم- أنهم بعيدون عن المساءلة والمحاسبة، وأن الشعب السعودي سوف ينسى سوءاتهم، ويغفر لهم خطيئاتهم. هكذا بكل بساطة. العفو والمغفرة تأتي مع صلاح النية وإعلان التوبة، وتعقب إبداء الأسف والمساهمة في توضيح اللبس الذي تخلّق على أيديهم، فظهر للشباب وكأنه هو الدين الذي لا يتحقق إلا بالتكفير، ولا يصح إلا بالخروج على الحاكم ونبذ المجتمع وقتل النفس التي حرّم الله.
دعونا نعطي أولوية لمعالجة فكر الإرهاب على كل الصُّعد الدينية والأمنية والإعلامية والثقافية وغيرها، وفي الوقت ذاته؛ نُشدّد ونُجدّد في تعاملنا مع أدوات الإرهاب. السبب أولًا ثم تأتي نتائجه.