سهام الرميح ">
جميل أن أرى اسمي الأنثوي يزاحم أسماء المرشحين للمجلس البلدي، ويتصدر أكبر لوحة إعلان حول أهم تقاطع في مدينتي، غمرتني مشاعر الزهو والفخر وجالت بخاطري ردود أفعال متباينة، ومختلفة، ومتناقضة لأسرتي ومجتمعي، بين رفض، وتأييد، وبين تحطيم، وتشجيع، تذكرت دفاعي المستميت عن قناعاتي بخوض هذه التجربة التاريخية المميزة؛ بالاعتراف بحقي كامرأة سعودية مرشحة للانتخابات البلدية فالتغيير لا بد أن يُقابل برفض، وردة فعل قوية؛ فكوني أنثى لا يعني قصوراً بفكري، أو تخاذلي عما سأقوم به من مهام، فأنا على يقين أنني سأقدم الكثير وبتميز؛ فلن أكون عضوة مهمشة ولن يكون ترشيحي شكلياً كالمحسنات البديعية حذفها، وبقائها لا يُضير المعنى. ثقتي بقدراتي وإمكاناتي عالية عززها قرار الملك عبد الله بن عبد العزيز - رحمه الله - بالسماح لنا كمواطنات سعوديات بالانتخاب والترشيح للمجالس البلدية؛ فالنساء شقائق الرجال والمرأة كالرجل، ونصفه الآخر، وستقدم كل ما لديها إذا أُتيحت لها الفرصة، ومنحت الصلاحيات، واختيرت بكفاءة، وقدم لها الدعم، والمساندة، والتدريب ستلون المجال بإضافات مؤثرة، وبصمات قوية، فنحن النساء حبانا الله قوة الملاحظة، ورؤية التفصيلات فها أنا أنتقد المطبات عندما يرتطم رأسي بسقف السيارة، وتلمح عيني جهود عمال الأمانة من خلال نظافة الشوارع، وأدرك المتابعة لعملهم من خلال وضعية حاويات القمامة معترضة وسط الشارع مداعبة بغلظة أغلب زجاج سياراتنا، ولا يفوتنا نحن النساء قلقنا الدائم من حفر الصرف الصحي المكشوفة، وأشياء كثيرة قد لا يلاحظها الرجل كونه مشغولًا بقيادة مركبته، وأنا أميرة يقود سيارتي سائق خاص كفله لي حزم ولي عهدنا الراحل الأمير «نايف» - رحمه الله - وتنفست حمداً وشكراً، وأنا أستعرض طاقاتي الكامنة المنتظرة لخوض غمار الانتخابات بفخر، وتحدٍ، وبينما أنا على تلك الحال دق ناقوس خطر داخلي يصدح بقوة ليُعريني أمام نفسي مردداً بصوت يشوبه نشوة الانتصار لكسر غروري: أيتها الأنثى! هل ستذهبين للدوائر الحكومية لمناقشة تعثر المشاريع واحتضارها!! أيتها الأنثى!! هل تعرفين ضوابط البناء والمخالفات! هل قرأتِ عن نزع الملكيات؟ أو إجراءات المنح؟ رسوم الأراضي البيضاء! تصريف مياه الأمطار المشكلة الأزلية! هل ستضفين لمساتك الأنثوية على سوق الماشية!! ماذا ستُضيفين للمجلس ولم يقدمه الرجل! كيف قدرتك على الوصف وأنت لا تعرفين الاتجاهات الأربعة!! تنهدت محبطة: حقاً أنا لا أستطيع أن أقيس مساحة غرفتي الصغيرة لأشتري قطعة سجاد لها أنا لم أدرس الهندسة، ولم أُحبذها وكل خبراتي بالتعليم فأنا أتقلب بين نظام مقررات عشية يوم، وصبيحة غدٍ بنظام فصلي، وبين تجويد اختبارات ومنظومة إشراف شعارها (لا نقيس إلا ما يقاس) وحقيقتها (لا نقيس إلا أوراقاً)، فأنا لم أدخل المجلس البلدي ولا أعرف مكانه، ولم أتلق دورة تأهيل لهذا الدور، وكل ما أعرف الحديث عنه قضايا التعليم وهمومه.. ولكن هذا لن يمنعني ولن يثني قراري عن ترشيحي للمجلس البلدي؛ بما إن الانتخابات البلدية متاحة للجميع، والاجتماعات عبر الشبكة الإلكترونية، فذاتي كأنثى مسلمة مصانة «ومحترمة» فدخول المرأة السعودية لهذا المجال، ولأول مرة، وبهذا الحجم؛ يُعتبر تقدماً كبيراً على مستوى الوطن فمن الضروري الفوز بمقعد نسائي ليرسم مجداً شخصياً للمرأة السعودية، ويكون لي حضور قوي ليتأكد الجميع أن المرأة السعودية قادرة على العطاء، والقيادة، وخوض المجالات المختلفة؛ لأُصحح الصورة النمطية السلبية للمرأة في مجتمعي الطيب، والمتشدد للأعراف القبلية؛ فأنا لم أتِ بعيب، أو نقيصة فأم المؤمنين أم سلمة رضي الله عنها أشارت على الرسول صلى الله عليه وسلم في صلح الحديبية، وأخذ برأيها، والصحابيات زاحمن المقاتلين يعالجن المرضى، ويضمدن الجرحى، «وخولة بنت الأزور» شاركت بالحرب، وبناتنا مُبتعثات للخارج، تفصلنا عنهن بحور، ومحيطات؛ فكيف أشعر بضعفي، وأحكم على فشلي، وأنا لم أخض التجربة، ولم أدخل معترك الواقع؛ فالتقييم يحتاج لوقت فماذا سيمنعني من المشاركة والإبداع؟ ما دمت أستطيع أن أعطي رأيي ومقترحاتي؛ فتصريح وزير الإسكان بعدم وجود حل لمشكلة الإسكان كانت المواجهة الأقوى له نسائية. فالخدمات للمنطقة واحدة يطالب بها الرجل والمرأة فكل ما أحتاجه معرفة بقضايا مجتمعي وما يجري به، وألا أطالب بالحلول الخيالية التي تتحدى واقعنا، وأن ينظم لنا دورات تأهيلية تلامس احتياجات عملنا، وأن يتاح لنا فرصة لقاء عضوات مجلس الشورى، والاستفادة من خبرتهن بهذا المجال، فأنا سيدة أدرك ماذا يواجه تأنيث المحلات التجارية واحتياجات الأسر، وأعلم ماذا ينقصنا من أماكن للترفيه وغيره كثير. فما دمت سأعامل كعضو بالمجلس دون النظر إلى جنسي لي حق المناقشة، والاقتراح، والمداخلة، ومباشرة أعمال اللجان، وتمثيل المجلس في المناسبات الداخلية، والخارجية، واقتراح أنظمة، وتعيلها فأنا عضوة أتمتع بمزايا، وصلاحيات، آمل أن يكون لي دورٌ فاعل وكبير في قيادة عجلة التنمية في وطني ومنطقتي، ولأنني لم أرشح نفسي سأبقى خارج دائرة الترشيح.
- عرعر