كوالامبور عاصمة ماليزيا واحدة من أكثر المدن التي تهطل عليها الأمطار.. حيث تتجاوز معدلات الأمطار السنوية 2500 ملم. لكن ساكن كوالامبور لا يشعر بوجود المياه كل فترة هطول الأمطار بسبب قوة ومتانة وحسن شبكات مجاري السيول.
مدينة عنيزة سعودية هي الأخرئ لديها شبكة ممتازة لتصريف السيول توازي مدينة كوالامبور أو تفوقها وهذا هو القاسم المشترك بين المدينتين.. وإليكم الحكاية من بدايتها: مع مطلع الطفرة الاقتصادية الأولى التي عاشتها المملكة العربية السعودية وشعبها.. وفي سبيل إحداث بنية تحتية قوية، أقرت القيادة الرشيدة تخصيص مبلغ 100 مليون ريال لكل مدينة من المدن السعودية، غير الرئيسية لتنفيذ مشروعات تصريف السيول.. يومها أي عام 1395هـ.
كان مبلغ المائه مليون ريال مبلغاً كبيراً جداً.. قد يوازي اليوم مبلغ الثلاثة مليارات ريال أو تزيد.. خصصت القيادة الرشيدة للمدن الرئيسية والكبرى مبالغ أكبر.. في إطار التنمية الشاملة للوطن التي أطلقها جلالة المغفور له -بإذن الله تعالى- الملك خالد بن عبدالعزيز وولي عهده الأمير فهد بن عبدالعزيز والنائب الثاني الأمير عبدالله بن عبدالعزيز.
أقرت الدولة المخصصات المالية وعمدت الأجهزة الحكومية وانطلقت مسيرة التنمية الشاملة.. جميع المدن أخذت نصيبها من التنمية.. كان الفرق هو العمل والإخلاص والأمانة في أداء الواجبات والمهام الوطنية.
في مدينة عنيزة السعودية رسي عقد شبكة تصريف السيول على شركة كورية جنوبية أتت بعتادها ومعداتها وقواها البشرية لتنفذ أول شبكة لتصريف السيول في هذه المدينة الصغيرة. كانت خطة المشروع موضوعة بعناية فائقة راعت التمدد الحضري والسكاني للمدينة. كانت الشبكة مخططاً لها أن تكفي المدينة طوال خمسة عقود أو تزيد الجهة الرقابة والمشرفة على المشروع هي بلدية عنيزة يومها كانت السيول والمجاري من اختصاص البلديات -أدى المسؤولون في بلدية عنيزة عملهم بكل أمانة وإخلاص- راقبو أداء المقاول المنفذ.. راجعوا أعماله ونظروا إلى الاشتراطات وطرق التنفيذ والمواد المستخدمة.
أشرف على المشروع المهندس محمد بن عبدالله الضبيبان -أحد منسوبي وزارة البلديات-.. تضايق مسؤولو الشركة الكورية من دقته الشديدة وعمله الدؤوب وتفتيشه المستمر.. وللخلاص من هذا كله قرروا أن يقدموا له مبلغ أربعة ملايين ريال كرشوة كي يخفف من تدقيقة ومتابعته على مشروع تصريف السيول.
المهندس محمد الضبيبان منعته تعاليم دينة الإسلامي الحنيف وأخلاقة أن يقبل بهذا المبلغ الكبير.. وأحس بعظم الأمانة والمسؤولية.. ومباشرة سجل بلاغ لدي الجهات الأمنية المختصة التي أثبتت الحالة وعاقبت المخطئ.. وكافأت المخلص.
والمحصلة النهائية كانت مشروعاً ناجحاً بكل المقاييس نفذ كما أرادت له القيادة الرشيدة أن يكون يستطيع أي زائر لمدينة عنيزة وقت هطول الأمطار أن يكتشف جودة الشبكة وفعاليتها.. وأمانة العمل الذي بذل لكي تكون شبكة مثالية لتصريف السيول.. تم وضع مسارات ضخمة تحت الأرض لتنقل المياه عبر تضاريس عنيزة المتنوعة لتنقل المياه إلى وادي الرمة في عمل كان يومها يعتبر فريداً جداً وخطط لها برؤية إستراتيجية بعيدة المدى.
نسوق حكاية نجاح مشروع تصريف السيول بعنيزة ونحن نقرأ ونسمع ونشاهد الكثير من المدن السعودية وهي تغرق.. وهناك من الشباب والناشئه من يحمل القيادة الرشيدة مسؤولية ذالك.. نسوق هذه الحكاية لنؤكد أن القيادة صرفت وأنفقت بسخاء على الجميع بدون اسثناء ورسمت الخطط المناسبة.. ولكن هناك من عمل بإخلاص وأمانة، وهناك من خان الأمانة -مع الأسف- عدد كبير ممن كانوا مسؤولين عن هذه المشروعات قد أنتقلو إلى رحمة الله تعالي.. ومنهم من ينتظر.. متاع الدنيا وبريقها زائل.. ويبقي الحكم للتاريخ والأجيال تحكم على الجميع بكل عدالة.. حين يسير الشاب بسيارته بشوارع عنيزة.. وحين تخرج المرأة من بيتها سيراً على الأقدام.. وبعد هطول الأمطار وهم يشاهدون بأعينهم شبكات تصريف السيول بعنيزة توازي شبكات كوالامبور فحتماً سيرفعون أيديهم لله تعالى أن يجزي المهندس محمد الضبيبان ومن كان معه خير الجزاء.. وأن يحسن إكرامه نظير أمانته وإخلاصه اللذين لمسهما الجميع. والعكس كيف سيكون الحال مع من خان الأمانة واشترى متاع الدنيا الزائل بثمن بخس دراهم معدودات.. فعلاً ما عند الله خير وأبقى.
- يوسف عبدالله الدخيل