هناك في ذلك الحي البعيد المسمى بـ«الحلَة» في وسط الرياض، وبعيداً عن النقلة الحضارية السكانية لمدينة الرياض، يقع بين تلك الأماكن (سوق اللحوم، والمطاعم الشعبية والأسماك ... إلخ) مبنى متهالك قد يكون آيلاً للسقوط وهو سوق «الآلات الموسيقية» أو بالأصح المتعارف عليه شعبياً باسم سوق (الأعواد) أي عندما تريد أن تشتري آلة العود لا سبيل لك إلا أن تذهب إلى هناك وقد يكلفك ذلك يوماً كاملاً من بعد المسافة، وزحمات الطرق إلى أن تجد موقفاً للسيارة.
هو كذلك الفن لدينا همش ووضع في آخر ساحات الثقافة والفكر وأصبح شبيهاً بسوق (الحلة للأعواد) الذي أهمل وترك في مكان بعيد ولم ينقل مع الطفرة الحضارية التي مر بها الوطن.. ولا أعلم إذا كان السبب هي أنظمة ولدت من رحم الثقافة العامة، حتى صاحب الفن والفنان، وتحديدا (عازف العود) الموسيقي، فأصبح البعض ينظر إليه مثل ذلك السوق من بعد المسافة الروحية والثقافية عنه، والريبة والغرابة، رغم أن العكس هو الصحيح.
بعكس آلة «القيثار» التي تجدها في أغلب أسواق الرياض الفخمة، رغم بعد تلك الآلة كل البعد عن ثقافتنا العربية وهي منتج غربي خالص ولكن للأسف أصبحت معززة مكرمة من قبلنا، حتى باتت ثقافة هذا الجيل هي الإعجاب بعازف القيثار بسبب ولادتها في سماء ثقافتنا حديثاً، حيث كل ما ينطبق على (آلة العود) من موروث مشوّه لا ينطبق عليها، وأصبح الغالب يقتني قيثاراً صغيراً من الألعاب لأطفاله وكأن ذلك نوع من الرقي، ولا يمكن أن يقتني له آلة (العود)، وذلك بسبب تشبع العقل واللاوعي من أصوات في مجتمعنا تزدري الفنون، وبشكل خاص (آلة العود)، وتنظر لتلك الآلة الساحرة نظرة هامشية ودونية ونظرة خوف، مما تسبب في جفاف وجهل فني مطبق في الموروث العربي الموسيقي الذي ولد من رحم آلة العود على جيل يخالف جميع سكان الكون من هذه الناحية.
- محمد عبدالله بن دايل