د. أحمد الفراج
تكثر التكهنات حول ماهية ردة الفعل الغربية، بعد إرهاب باريس، ويعتقد البعض أن وجود أحزاب يسارية في حكم فرنسا، والولايات المتحدة، حالياً، قد تفاقم المشكلة، ويزيدون أن العالم يحتاج، الآن، حاكماً مثل جورج بوش الابن، ونائبه ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد!!، وهذا تسطيح للأمر، فمواجهة الإرهاب بعنف مضاد، بعد أحداث سبتمبر، في 2001، على يد إدارة بوش الابن، فاقمت من الإرهاب، إذ إنها اعتمدت الحل العسكري، وتجاهلت الأيدولوجيا التي يتكئ عليها الإرهاب، وهي أيدولوجيا فكرية، تحتاج لجهد فكري مواز للعمل العسكري، فتنظيم طالبان في أفغانستان، اليوم، أقوى مما كان عليه قبل أحداث سبتمبر، كما أن حكام العراق اليوم، أسوأ بمراحل من صدام حسين، إذ تمتلئ أرض الرافدين بتنظيمات طائفية متطرفة، سنية وشيعية، فالأحزاب اليمينية، مثل المحافظين الجدد في أمريكا، وأحزاب اليمين في أوروبا، تذهب بعيداً في مواجهاتها مع الإرهاب، لأنها أحزاب تتكئ، هي ذاتها، على أيدولوجيا عنصرية في المقام الأول، ومن خلال هذا الإطار جاءت ردود أفعال أقطاب اليمين الأوروبية، والحزب الجمهوري في أمريكا، بما في ذلك من كنا نظن أنهم عقلاء الساسة!!
الرئيس باراك أوباما كان قد اتخذ قراراً باستضافة الولايات المتحدة لعدد لا بأس به من اللاجئين السوريين، وبعد إرهاب باريس، تسابق المرشحون الجمهوريون للرئاسة الأمريكية لشجب هذا العمل!!، ولكنهم ذهبوا بعيداً، ثم صرح حكام الولايات الجمهوريين (ثلاثون من أصل خمسين حاكماً) بأنهم لن يسمحوا باستضافة أي لاجئ سوري في الولايات التي يحكمونها!!، وبرروا ذلك بخشيتهم من أن يكون هناك إرهابيون مندسون بين هؤلاء اللاجئين!!، وهنا كان للرئيس أوباما، والذي يتهمه البعض بالضعف، موقف حازم من هذا الحمق والجهل الجمهوري، إذ صرح قائلاً بأن قرار استضافة اللاجئين السوريين هو قرار فيدرالي، من صلاحيات الحكومة الفيدرالية، والرئيس الأمريكي وحده، ولا شأن أو رأي لحكام الولايات به، ثم سخر أوباما من الجمهوريين، وقال إنهم يريدون أن يعاقبوا الأيتام والأرامل وكبار السن المشردين من أبناء الشعب السوري، من أجل عمل إرهابي ارتكبته مجموعة إرهابية لا تمت للإنسانية بصلة، وهذا موقف قوي سيحسب للرئيس أوباما.
المفاجأة الأكبر جاءت من المرشح الجمهوري الردئ و»المترنح» حالياً، جيب بوش، والذي استغل فرصة إرهاب باريس لمحاولة كسب تأييد اليمين المتطرف، ورفع شعبيته المتهالكة، فقد قال، بكل وقاحة وجهل، إنه يتوجب على الولايات المتحدة أن تستضيف اللاجئين السوريين «المسيحيين» فقط»!!، وذلك لأنهم أقلية تواجه الموت والدمار، وكأن أبناء الطوائف الأخرى يعيشون بأمان تحت حكم بشار الأسد والتنظيمات الإرهابية في سوريا، وهذه عنصرية مقيتة من جيب بوش، لم يكن أسوأ خصومه يتوقعها، إذ لو جاء هذا التصريح الأحمق من الواعظ المسيحي المتطرف، بات روبنسون، أو من سياسي جمهوري متطرف، مثل نيوت قينقريتش، لكان متوقعاً، أما أن يأتي من جيب بوش، فقد كان صادماً حتى ليسار الحزب الجمهوري والمعتدلين من أنصاره، إذ إن ما صرح به جيب بوش يعتبر تفرقة عنصرية على أساس «الدين»، وهذا أمر محرم حرمة قاطعة في الدستور الأمريكي العريق، والخلاصة، هي أن من سيواجه الإرهاب، ويقضي عليه، هم الساسة المعتدلون، من خلال العمل العسكري غير الانتقامي والمواجهة الفكرية، أما الساسة المتطرفون، فإنهم سيزيدون النار اشتعالاً، وربما لن يتمكنوا من القضاء على الإرهاب.