د. أحمد الفراج
كان العالم يعيش بوئام، حتى فاجأنا إرهاب نيويورك، في عام 2001، وحينها تغيَّر كل شيء، وأقول من تجربة شخصية، إننا كنا نحصل، قبل أحداث سبتمبر المشؤومة، على تأشيرة دراسية لأمريكا خلال ساعة، فقد كنا نذهب للسفارة الأمريكية بالرياض صباحاً، ونحظى بمعاملة خاصة، في مكان مريح، ثم نخرج بعد الظهر، في ذات اليوم، ونحن نحمل تأشيرة لمدة سنتين، وإضافة لذلك، فقد كانت تأشيرات بعض الطلبة السعوديين تنتهي، وهم لا يزالون داخل أمريكا، دون أن يسألهم أحد عن ذلك، وكل ذلك تغيّر كما تعلمون، وإنني أتساءل عمَّا سيحل بنا، بعد إرهاب باريس، إذ إن كل الدلائل تشير إلى أن الإجراءات التي ستعقب هذا الحادث ستفوق ما أعقب أحداث سبتمبر بمراحل، وقد لا يكون التسامح مع العرب والمسلمين متاحاً، سواء من كان منهم يعيش في الغرب، ويحمل جنسيته، أو طالباً للعلاج والزيارة.
اتخذت إدارة بوش - تشيني - رامسفيلد سياسة العنف رداً على هجمات سبتمبر، وكان هذا متوقعاً، في ظل حالة الغضب التي سادت الولايات المتحدة، ولعلكم تذكرون أن رامسفيلد برر ضرب العراق بأنه يوجد فيه أهداف جيدة، على عكس أفغانستان، والتي كانت قاعاً صفصفا!! إذ تحول الأمر بالنسبة لإدارة بوش إلى مجرد انتقام وحسب، وخصوصا أنه تبيَّن كذب الادعاء بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، ومع أن القضاء على نظام الطاغية صدام حسين كان خيراً للبشرية، إلا أن ما أعقبه هو تولي الطائفيين، من شاكلة نوري المالكي، حكم العراق، والذين تبيّن أنهم أسوأ مائة مرة من صدام حسين، فقد تبنوا الحكم الطائفي، وسلخوا عراق الرشيد من عروبته، حتى أصبح مجرد ولاية تتبع للولي الفقيه في طهران، كما زادت حدة موجات الإرهاب، والطائفية البغيضة، ما يعني أن مواجهة الإرهاب بالعنف، أو بالإرهاب المضاد لم تأت بنتيجة، بل فاقمت الأمر، وولد تنظيماً خطراً يُسمى داعش، وهو أحد أبناء تنظيم القاعدة، والقاعدة بدورها ابن شرعي لتنظيمات الإسلام السياسي!
الإرهاب والإرهابيون ليسوا مجرد حكومات أو تنظيمات أو أشخاص يمكن أن تستهدفهم عسكرياً وتقضي عليهم، بل هو نتيجة «أيدولوجيا فكرية»، والعمل العسكري وحده يفاقمها، بل ويخدمها في التجنيد، كما حصل بعد ضرب أفغانستان والعراق، وبالتالي فإن على الحكومة الفرنسية وحلفائها في الغرب والشرق أن يتعلّموا من أخطاء إستراتيجيات مواجهة القاعدة، بعد أحداث سبتمبر، فالعمل العسكري ضروري. هذا، ولكن لا بد أن تصاحبه حرب «فكرية» مضادة، تستهدف جذوره، أي تستهدف الفكر الذي يحتضنه، وإلا فإن ليل العالم مع الإرهاب طويل، وعندما أتحدث عن جذور الإرهاب التي يجب القضاء عليها، فإنني أقصد من يطلق عليهم «قعدة الخوارج»، سواء في العالم العربي والإسلامي أو في أوروبا ذاتها، وهؤلاء هم التكفيريون من الوعاظ والدعاة وخطباء المساجد، والذين يحرضون على الآخر المختلف، ويستثيرون ويجندون الشباب المتحمس، ويجمعون التبرعات باسم الأعمال الخيرية، فهؤلاء هم السم الزعاف، وطالما لم يتم القضاء عليهم وعلى فكرهم التكفيري العنيف فإن تفريخ الإرهابيين سيستمر، وطالما ماكينة التفريخ تعمل، فإن الإرهاب لن يتوقف، ولو بعد مائة عام، فهل نرى إستراتيجيات مختلفة لمكافحة الإرهاب هذه المرة؟! نتمنى ذلك!