د.محمد الشويعر
ظاهرة عُرفت، وأعمال لم يكن لها عهد في هذه البلاد، مما يضع علامات استفهام كثيرة، وتطرح أسئلة تقلّب يميناً وشمالاً، حول هذه الظاهرة (الإرهاب) وما تحت غطائه من مسميات، الذي أصبح خنجراً مسموماً، وشبحاً مخيفاً في العالم عامة، وفي هذه البلاد بخاصة،
بلاد الأمن والإيمان، بلاد الحرمين الشريفين مرنا أفئدة المسلمين في أنحاء المعمورة.
لقد كنا نسمع إشاعات، أن وراء ذلك أيادي آثمة، ومخططات نحو الإسلام ومعقله والمدافعين عنه، تُدار من وراء الحدود، وبالذات ضد ولاة أمور هذه البلاد وعلمائها، وتكفيرهم.
والعقل السليم يدرك أن هذا العمل لا يصدر عمّن يدّعي الإسلام، لأن الحريص عليه: تطبيقاً وعملاً، يدرك الضوابط والحواجز، الضوابط في حفظ اللسان والوفاء بالعهد والأمانة، والحواجز عن التطاول على الآخرين: اعتداء على الأنفس، وتدميراً للممتلكات، وتغريراً بالشباب لتسخيرهم في هذا العمل المشين، بعد أن مُسحت أفكارهم، وقُلبِت الحقائق في أذهانهم.
إن المتبصّر الحليم إذا أعمل فكره، وجلس يقلّب الأمور بينه وبين نفسه، في هذه الأفعال الإرهابية، وما حصل في مناطق المملكة وغيرها، من أمور يأباها العقل السليم، وتنفر منها حتى طبائع البهائم، فإن عقله يحتار من هذه الأعمال.
وإذا تأملنا في أمرهم نجد أنهم :
- لا يُعرف لهم هدف ولم تَبِنْ مطالبهم، فكأنهم يُساقون لعمل لا يدركون له غاية، إلا التخويف والتدمير.
- يُسمون عملهم هذا جهاداً، فأين هو من حقيقة الجهاد وضوابطه التي جاءت في كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فهمه الصحابة الكرام؟!.. وأين هم من دلالة ما جاء في كتاب الله وسنة رسوله الكريم من تحريم سفك الدماء، وقتل الأبرياء بغير حق، وما ورد في ذلك من عقاب أليم؟!
- فهم مخالفون عمداً لأمر الرسول الكريم، مما يخرجهم من الدين - إن لم يتوبوا - في قوله: ((إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم عليكم حرام، كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا في بلدكم هذا)).. فقد سفكوا دماً بغير حق، ونهبوا أموالاً محصّنة، وهتكوا أعراضاً محرمة، والأدلة واضحة.
- وما نهى عنه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم من رفع السلاح في وجه المسلم حتى كان يأمر بتنكيس الحراب والسهام عند المرور بمجامع الناس لكيلا تخيفهم، أو لا ينطلق سهم خطأ فيصيب مسلماً، وإن إخافة المواطنين والمستأمنين على اختلاف أوضاعهم: نساءً وشيوخاً وأطفالاً، ومرضى وعجزة وغيرهم، منهي عنه.
- كما أنهم يُطلقون كلمة التكفير على من يقيم شعائر الله ويُطبق الحدود، ويحمي حِمى الدين، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: مكرراً لحبّه أسامة بن زيد عندما قتل رجلاً بعد أن قال: لا إله إلا الله، فلما أخبر غضب غضباً شديداً، وقال له: أقتلته بعد أن قال لا إله إلا الله؟ كيف بك إذا جاءتك لا إله إلا الله تحاجّك عند الله؟ ولم ينفع أسامة عذره عندما قال لرسول الله: إنما قالها خوفاً من القتل، فردّ الهادي البشير عليه قائلاً: أشققت قلبه؟ أتعلم ما في نفسه؟ كيف بك إذا جاءتك لا إله إلا الله تحاجّك أمام الله؟ فخاف أسامة - رضي الله عنه - من هذا العقاب الشديد، وقال: وددت أنني لم أسلم بعد.
- أين هم من قصة أسامة لأخذ العبرة؟ حتى يراجعوا أنفسهم ويتوبوا من أعمالهم، ويستأمنوا ممن فتح صدره لهم، ولا يتوددوا إلى من يريد لهم الهلاك.
أين هم من قول أسامة: وددت أني لم أسلم بعد، حتى يدخل الإسلام مجرداً، تائباً، والإسلام يجبّ ما قبله.
- إنها أمور كثيرة يعملها هؤلاء المغرّر بهم حيث يدفعهم من ورائهم إلى أن يقتلوا أنفسهم أولاً في التفجيرات، ولو كان في قلوبهم ذرة من إيمان وخوف من الله، وتصديقٍ برسوله، لما أقدموا على هذا العمل مع إخباره - صلى الله عليه وسلم - بأن قاتل نفسه في النار، يجأ نفسه في نار جهنم.
- ولا شك: وفق النصوص الشرعية: أن الإثم يقع على الفاعل وعلى الآمر، بأي سبب (فعليه إثمها وإثم من عمل بها إلى يوم القيامة) وهو عقاب شديد على لسان رسول الله الذي لا ينطق عن الهوى، وكما في قصة الرجل الذي وجب عليه الغسل في ليلة باردة، ولا ماء عندهم إلا الثلج، فأفتوه بأن يغتسل بالثلج، فمات من ذلك فبلغ الخبر رسول الله فقال: قتلوه هلاّ سألوا إذا لم يعلموا إنما شفاء العي السؤال.
فقد أجزم أن هذا الأمر حرب على الإسلام وأهله تُدار من الخارج {قَاتَلَهُمُ اللّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ}، وأن فتنة الإرهاب ما هي إلا صنيعة أيدٍ خفية تخطط وتدعم، حيث وجدت قلوباً جوفاء، خالية من الرحمة، ومنتزعاً منها الإيمان، كما أخبر عليه السلام ضمن حديث طويل: بأنه لا يتجرأ على مثل هذه الكبائر إلاّ من انتزع الإيمان من قلبه.
ثم ليس غريباً أن يتبنّى هذا الإرهاب: الفساد والإفساد في المملكة، فضلاً عن العداء السافر لدين الإسلام، فقد تم بحمد الله كشف القناع عن الأعداء، وعن أعمالهم السافرة الإرهابية، وحقدهم على بلاد أعزها الله بالإسلام، وفي دعواتهم إلى تعطيل شرع الله: كالجهاد والزكاة وغيرهما، ولم يكفهم ذلك، بل دخلوا في بيئة المسلمين؛ ليلزموهم بالديمقراطية والعلمانية وحقوق الإنسان، وحرية المرأة وحقوقها، حسب مفاهيمهم حتى يبعدوهم عن تعاليم الإسلام.
ناسين أو متجاهلين أن اليهود الصهاينة، ومن يشايعهم هم أول من تجاوز الحدود في هذه الأمور قتلاً وتدميراً للممتلكات: في فلسطين، والمؤسف أن العالم ليس له إلا السكوت عن تلك المآسي والتجاوزات، ومغمض عينيه عن تلك الانتهاكات؛ ليتركهم يزدادون في الفساد والإفساد، وقلب الحق باطلاً، والباطل حقاً، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
فالحرية مُنحت لهم للقتل الجماعي، باستعمال الطائرات والمعدات الحديثة والتدمير، وهدم البيوت على أهلها، وعلى المصلين في المساجد، وهذا دفاعاً لهم أمام أطفال لا يملكون ما يدافعون به إلا حجرة صغيرة، ثم نرى المؤيدين أن من حق هذا الطغيان أن يدافع عن نفسه.. فنقول كما قال الأديب والصحفي والشاعر: أديب إسحاق في قوله عن هذه المعادلة:
قتل امرئ في غابة جريمة لا تغتفر
وقتل شعب آمن مسألة فيها نظر