د.محمد الشويعر
مرت أيام مرور الكرام من دخول هلال شهر الله المحرم من السنة الجديدة 1437هـ، التي قال الله عنها: يَسْأَلُونَكَ عَنِ الأهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ (189) سورة البقرة، وقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعلِّم أمّته أدب استقبال الهلال من كل شهر بهذا الدعاء:
(اللهم أهلَّه علينا بالأمن والأيمان والسلامة والإسلام، والتوفيق لما تحبّ وترضى، ربي وربك الله هلال خير ورشد).
فالأيام تتعاقب، والسنون تمضي عاماً بعد عام، وكل جديد يستشرفه الإنسان، ويتطلّع لما في أيامه، بالآمال والأماني، والقديم ينطوي مع غيابه؛ لأن المسلم لا يتشاءم، مما مر في أيامه، للنهي عن كل ما يمس العقيدة، وإنما يعجبه الفأل الحسن، كما قاله وأدبنا به رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.
فهي صفحات من حياة الإنسان، تنطوي بما فيها من خير قدّمه الإنسان لنفسه، أو شرّ اقترفته أعماله، وكل ذلك مرصود على كل فردٍ منّا، وشاهد لنا أو علينا، يقول سبحانه: وَوَجَدُوا مَا عَمِلُوا حَاضِرًا وَلَا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَدًا (49) سورة الكهف.
وما ذلك إلا أن كل فرد على وجه الأرض، في نظرته الخاصة، وآماله وأمانيه على نوعين: دنيوي محسوسة نتائجه بين نفعٍ وضرّ، ونموذج ذلك التاجر الذي يكون همه في جمع الأموال وتخزينها، وطالب العلم الذي يبتغي وجه الله والدار الآخرة والفوز بالجنة.
وكل عام جديد، تكبر الآمال أو تصغر، بحسب التفكير والجهد لكل فرد وطموحه، وليس الأمر بالتمني والحسب، وإنما بالجد والعمل، فمن جدّ وجد، ومن زرع حصد.
ويجب علينا في هذا العام الجديد أن نرى ما يسعدنا ونتفاءل بألا يخيب الله سعينا؛ لأنّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يعجبه الفأل الحسن، وأن نتطلع فيه إلى ثمرة مرضية في أولادنا، وأن ندعو لهم بالصلاح في أنفسهم، ومصلحين لمن حولهم، محققين لما يؤمل منهم، حيث نوجههم عشية وضحاها، نصحاً وإرشاداً، وحسن تربية، وتوجيه رغبة فيما تبتهج به الخواطر، نمواً وعلماً، ومركزاً وسمعة، تملأ السمع والبصر، نرعاهم صغاراً، ونسعد بهم كباراً؛ لأنهم نعمة من الله كما قال الشافعي -رحمه الله-:
نعم الإله على العباد كثيرة
وأجلهن نجابة الأولاد
فبعض الأمم مرت بهم في العام المنصرم منغّصات ومشكلات يبرز منها: تسلّط من القوي على الضعيف، وتسابق بين الأمم في التسلّح، وتكديس آلات الدمار والخراب، في استعراض للقوة، وتباهٍ بنوعيات، تتفوّق على ما عند الآخرين، لإخافة النِّدّ، وكل منهما يخشى صاحبه ويحوك الحيل، لعلها ترفع من قدره، مع التوجّس والقلق.
ويبرز على الساحة تنافس دولي -يرفع الله به أقواماً، ويضع آخرين- في ميادين أهمها المحور الاقتصادي، إذ كل طرف، يرغب في علوّه على الطرف الآخر، بابتكارات جديدة، توهن من قوى ذلك الطرف، ووراء ذلك تضحيات تتعلق برؤوس الأموال واهتزاز المكانة للعملة عند الآخرين، والله سبحانه هو العالم بالنتائج وهو الحكيم الخبير.
أما العلامات التي مرّت في العام المنصرم، واهتزت منها بنوك أفلس بعضها، فقد حمى الله بلادنا منها وفق السياسة الحكيمة، التي قادها خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -نشر الله عليه ثوب الصحة والعافية- ومن قبله الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز -رحمه الله-.
فإن نظرة الفرد المسلم في تطلعاته لكل عام جديد، هذا الغيب الذي علمه عند الله، يجب أن تنطلق من ركيزة دينه الحق، وما يرغب فيه بحسن الظن بالله والدعاء، والترجي وتسليم الأمور له سبحانه، ومحاسبة النفس، مع معالجة الأمور بالاستخارة في كل أمر، وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ (216) سورة البقرة.
ونحن في هذه البلاد بحمد الله، قد أكرمنا الله بالإسلام وهدانا إليه، ومنّ علينا بولاة أمر يقيمون شرع الله، بدءاً بالملك عبدالعزيز -رحمه الله- الذي جدّد دولة الإسلام بتوفيق الله في الجزيرة بدورها الثالث، وسار في تطبيق الحدود على منهج السلف، وعلى نهجه سار أبناؤه في رسم خطاه: كابراً بعد كابر، فأمنت البلاد بعد خوف، وقام المسلمون في ظل الأمن على أحسن حال، وبمتابعة واهتمام مطبقاً حديث رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم).