د. حسن بن فهد الهويمل
لا أحد في مَنْجى من إشكالية الإسكان. ولا أحد في غنى عن [وزارة الإسكان] على حد:- {وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا} لتكون المعضلة فيما بعد في النجاةِ، أو في الجِثِيّ.
المؤلم أن الإشكالية تظل قائمة، وإن حقق المعنيون بعض النجاح، والأمر لمَّا يزل يراوح في مكانه، إن لم نقل -غير متشائمين، ولا شامتين- إنه يتقهقر خطوات إلى الخلف.
أنا لست معنياً بالبحث عن المشاجب التي تُعَلَّق عليها الأثوابُ الخلقة. ولست مع أحد من الموجِفين بالألسن، والأقلام. فالجميع يصطرعون خارج الحلبة، ولا يتقيد المهتاجون العزَّل بقانون التجاذب حول مجمل العقبات، التي تعترض المشروع الأهم. على الرغم من أنه مشروع محكم الصنع من قبل الدولة.
الخطأ، أو التقصير قد لا يتعلقان بالأشخاص، ومن ثم لا يكون الحل في تغيير الوجوه، أو السخرية بأحد من المسؤولين، والنيل من سمعته، بشكل لا يطاق.
الحل لما يزل خارج التفكير السائد. والمغردون، والمتحدثون أكثرهم يهرفون بما لا يعرفون.
قيل لي: إن المواقع مشتعلة بالسب، والتهكم، والسخرية المرَّة. وأن رأس المسؤولين جُعِل غرضاً. حتى لكأنه [ابن الوليد] الذي ليس في جسمه موضع إلا وفيه أثر من سيف، أو رمح، أو سهم.
والمشكلة في ظل استفحال [الحطيئيَّات] تزداد تجذراً، وتعقيداً، واستحكاماً، واستحالة.
والناس في شأن [رسوم الأراضي] البور في أمر مريج. فهم بين مؤيد مُحَرِّض، ومعارض مُخَذِّل، ومحَذِّر خائف. ومتوقف لم يستبن وجه الصواب.
والإقدام على اتخاذ القرار يسارع الخطى. وحين لا أكون واقعاً في أزمة الإسكان، ولا من ذوي الأراضي، والأطيان، يكون رأيي متوازناً، بعيداً عن تجاذب المصالح الشخصية.
[وفي الإسكان ما جربت نفسي... ولكن في السياسة كالغزالِ].
قلت:- إنني لست معنياً بما يدور من لغط، تجاوز بِحِدَّته أدبيات الحوار. ولست بصدد الدفاع عن أحد من المسؤولين، وإن ساءني ما سيئت به وجوه البعض منهم، من سخرية مرة، لا تليق بكل الأطراف. وليست لدي علاقات شخصية مع أحد من ذوي الشأن، وزيراً كان، أو غيره.
ما أوده أن يكون جدلنا حضارياً، ساعياً في سبيل تصحيح الأخطاء، بعيداً عن المهاترات المسفة، التي تعكس صورةً غير سوية. وتطلعي أن تكون سيرتنا قدوة، لا عبرة لمن حولنا.
كل الذي يهمني أن يتحقق ما يتطلع إليه ولي الأمر، الذي ينشد الخير للبلاد، والعباد، وأن يجد المواطن المأزوم، المحتقن حلاً لهذه المشكلة الأشد تعقيداً. ولا سيما أن ثقافة المقايضة فاقعة اللون، فالبعض من المواطنين لا يفرقون بين الحقوق، والواجبات.
بل ترى البعض منهم مع الحقوق، دون الواجبات. ومزايداتهم مرتبطة بالأخذ قبل العطاء، وتلك ثقافة قد تجنح إلى النفعية. وإذ يكون لها بعض المشروعية، فإن استعجالها قد يضر بالمصلحة العامة.
على أية حال، ولي الأمر يعنيه شأن المواطن، وبودِّه لو أن المشكلة أُخِذت من أطرافها، وعجل المسؤولون التنفيذيون حسم الأمر لصالح المواطن، والانتهاء من هذا الملف المقلق.
إشكالية الإسكان عالمية. والخبراء العالميون يؤكدون أنها متى حلَّت في أرض أقامت فيها، ما أقام [عسيب]. والتحرف، والتحيز لمجرد المحاصرة، وتضييق الخناق. ذلك بعض ما يجب أن يعرفه المرجفون.
ثقافة المجتمع السعودي تسهم في تعقيد المشكلة. فارتفاع الدخول، والسيولة النقدية، والتضخم، والقُوَّة الشرائية، والانزلاق في مهاوي الترف، كل ذلك يصعد المشكلة، ويضع المسؤول أمام أمور أحلاها أمر من العلقم.
ثنائية: [الأرض، والقرض] هي هاجس المأزوم. والدولة بتعدد اهتماماتها، والمواطن بدخوله الباهظة، العاجزة عن احتمال الإنفاق المسرف، يقفان أمام تلك الثنائية الأهم، والأصعب في آن.
والأزمة في ذروة تعقيداتها، تتعثر في الظروف الطارئة، المتمثلة بأجواء الحرب، وأسعار النفط، وتعدد المشروعات العملاقة التي بدأت، ولما تنته بعد.
وفوق هذا غلاء العقار، بشكل لا يمكن تصوره. وأمام هذه الأزمات التي تشكل ظلمات بعضها فوق بعض. - ما الحل؟
أجزم أن عند كل مواطن رؤية، يراهن على نجاحها. ولكنها كالرسائل في زمن انقطاع الاتصال، البعض من أولئك يظن أن الدولة قادرة على كل شيء. وأن الحل عندها بين
[الكاف، والنون].
هذه الرؤية المتعَنتة، قد تصعد الاستياء، وتربك المسؤول. القدرة المالية وحدها غير كافية. حتى ولو توفرت، ربما تكون القدرات أكثر ارتباكاً في مواجهة الأزمات. مشكلة المواطن تعويلة على القدرة المالية، دون الالتفات إلى المعوقات الأخرى.
الدول الفقيرة ربما تكون الأكثر ارتباطاً بالواقع، وانطلاقاً منه. والرؤية الباذخة تزيد في تعقيد الأمور، واستحالتها.
لا بد من الاعتراف بالواقع، وعدم التنصل من المسؤولية. المواطن جزء من الإشكالية اتكاليته، مثاليته، وتقعيره للرؤية في الحقوق، جشع الأثرياء، تخبط [البلديات] و[وزارة الإسكان] كل ذلك يُقلص مساحة التفاؤل، ويُصعد المعوقات.
الأخطاء مشتركة. ومن الخير أن نَطَّرح البحث عن المسؤول، ونتجه صوب البحث عن الحل. دعونا من شخصنة القضايا، وموضعة الأشخاص.
نحن أمام إشكاليةٍ تتصاعد، وارتباكٍ يستحكم، وحلولٍ تتشابه، وخيارات كـ[ضباء خراش]، والزمن يجرى، والمشكلة تكبر، والانفجار السكاني يتفاقم، واليأس يضغط، والحاقدون يؤزون، وفينا سماعون.
وفي هذه اللحظات الحرجة لا بد من تحييد العاطفة، وتحكيم العقل، وكبح المثالية، وتحكيم الواقع، وترك التنصل من تحمل المسؤولية.
نبض الشارع، استثمار التجارب، الاستشارة، والاستخارة، وتحليل حشد المعلومات، وتوحيد الجهود، الحلول المرحلية. كل ذلك يفك الاختناق، ويقارب الحل.
هناك مشكلة تتعلق بـ[الأرض]. وأخرى تتعلق بـ[القرض]. وثالثة تتعلق بـ[المقترض]. ورابعة تتعلق بـ[المُقرِض]. وخامسة تتعلق بـ[جهات متعددة] بعيدة عن المضرة قريبة من المسرة.
ومالم نواجه تلك المشاكل، كل واحدة على حدة، وبذات القوة، وعين التفصيل، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة.
كل طرف من هذه الأطراف الخمسة يتنصل من المشكلة، ويرى أن الأطراف الأخرى هي المسؤولة.
بهذا التنصل لن نصل إلى الحل. لا بد من المكاشفة، والشفافية، والشجاعة، ومعرفة دور كل طرف.
لو ذهبنا إلى [الأرض] كجزء من الحل -على سبيل المثال- لوجدنا التاجر، والشؤون البلدية، والقروية، و[البيروقراطية] المتعلقة بالنطاق العمراني، والتطوير المفروض على المسوِّق من تخطيط، وإنارة، وكهرباء، وصرف صحي، ومرافق حكومية باذخة، تصادر نصف الأرض، فضلاً عن النفقات الإضافية.
كل ذلك يتحمله المواطن المحدود الدخل، المطارد بالنفقات، والرسوم، وسائر الالتزامات، وثبوت الدخل مع طفرة السلع، والخدمات.
كل مسكون بهم أمته، يسوؤه التنازع. ويفت في عضده عجز الجهة التنفيذية عن اتخاذ قرار، يفتح آفاق الأمل، ويخفف من حدة النقد، وقسوة التجريح.
الدولة لم تقصر، فقد اعتمدت المبالغ للأزمة، ولكنها لما تزل حبيسة. وإذ تكون الأزمة خانقة، ولا أمل في الانفراج، فقد صعد الرأي العام من نقده، وسخريته، واستعدائه للدولة على الحكومة.
وأمام هذا الفيض من الكلام الساخط، لا بد من اتخاذ قرارات ناجزة، وغير قابلة للتأخير.
لقد مرّت البلاد من قبل بأزمة إسكان، وبادرتها الدولة بـ[البنك العقاري] وكان ما كان من الفوضى، ولكنها فوضى خلاقة، لأنها فوضى أزاحت عن كاهل الأمة ما كان يثقلها. وهي بحاجة إلى مبادرة مماثلة، وإن وصفت بالفوضى، تفك الاختناق، وتحلحل الأزمة.
خطوات الحل فيما أرى تكمن في:-
1/ الخلوص من المركزية، وإعطاء الأمانات، والمجالس البلدية أوسع الصلاحيات.
2/ توسيع النطاق العمراني، والتفكير في الرأسي على الأفقي.
3/ إنشاء مدن على أطراف العواصم، على شكل أحياء كبيرة، تتصل بالعواصم عبر خطوط سريعة، مكتملة الخدمات.
4/ إنشاء شركات إعمار، تُنْزَع لها الأراضي البور، داخل النطاق العمراني، بواسطة البلديات، ويتم تخطيطها، وبيعها للساكن، لا للمستثمر.
5/ معالجة وضع الأراضي البور العائدة للورثة المتشاكسين، والأوقاف المعطلة المنافع، وتحويلها إلى مساهمة، وتهيئتها للإسكان.
6/ تكليف الأمانات، والكهرباء، والاتصالات، والصرف الصحي بتحمل تكاليف البنية التحتية عند التخطيط.
7/ إلزام أي مالك داخل النطاق العمراني بمباشرة التخطيط، والتصريف.
8/ بيع المخططات بالوحدة السكنية، لا بـ[البلك] بمعنى أن يكون المخطط، للساكن وليس للمستثمر.
9/ وضع القرض المشترك، كمرحلة مؤقتة. يسمى بالقرض الجَمْعِي، بحيث يشترك مجموعة من المقترضين بأرض كافية تقام عليها وحدات سكنية كبيرة، على شكل ثلاثة أدوار.
10/ اعتماد مخططات يُسْمح فيها بالأدوار، وتفرض فيها المواقف، على شاكلة بعض المخططات في شمال محافظة [جدة].
11/ تقسيم القرض إلى فئتين. [قرض أرض]، و[قرض بناء]، ويحق للمواطن الاستفادة منهما معاً، أو من أحدهما. بحيث لا يرتبط أحدهما بالآخر.
12/ من اقترض، وسدد، له حق الاقتراض مرة ثانية بضوابط.
13/ عندما تتحمل الشركات، والوزارات ذات الشأن نفقات البنية التحتية في المخططات الجديدة، يكون من حقها منع الاستثمار، بحيث يكون التخطيط نهاية الاستثمار.
14/ دعم شركات الإعمار بقروض ميسرة، على أن تشترك وزارة الإسكان، وبنك الاستثمار العقاري في تصاميم المساكن لتكون على ثلاثة مستويات، ويمكن تطبيق القرض على الوحدات السكنية، حين يشتريها المواطن من الشركة كمسكن له.
ذلك جانب من الرؤية، وفي أنفس المجربين رؤى، وحاجات، يجب الوصول إليها، والخروج بحلول تشفي، وتكفي، وتبرئ السُّقم، وبعد:
الحلُّ آت، طوعاً، أو كرهاً، والمحظوظ من المسؤولين من تكون الحلول الفاعلة على يديه. وما استعصى على الصادقين المخلصين منال.