د.عبدالرحيم محمود جاموس
لقد مثل ياسر عرفات الفصل الأطول في حياة الشعب الفلسطيني وكفاحه الطويل، مَرَّتْ إحدى عشرة سنة (11 - 11 - 2004م إلى 11 - 11 - 2015م) على رحيل الشهيد ياسر عرفات «أبو عمار»، لكن ذكراه دائمة التجدد خالدة في الوجدان والوعي الشعبي الفلسطيني، لم يخفت بريق أبو عمار، لأنه قائد استثنائي وشخصية استثنائية في تاريخ الكفاح الوطني الفلسطيني والعربي والعالمي، كان يجمع ولا يفرق، يراكم ولا يفرط، كان على مستوى التحدي صاحب مبادرة، كان محل الاختلاف ومحل الاتفاق، عشقه شعبه، وتماثل معه ومع همه وقضيته، تجاوزت شخصيته وأفعاله حدود وطنه وشعبه وأمته، لتمتد إلى مساحات واسعة وشاسعة، من جماهير الأمتين العربية والإسلامية، وشعوب العالم التي انتصرت لعدالة قضيته، قضية فلسطين، قضية الحرية، فأصبحت كوفيته رمزًا للتحرر والحرية في العالم، فكان زعيمًا عالميًا، يرفع راية الانتصار للحرية والعدالة، والمساواة والديمقراطية في كل مكان، ترك إرثًا نضاليًا يتفاخر به الشعب الفلسطيني، ويراكم عليه في مسيرة كفاحه الوطني الطويل والممتد، مثل فيه أبو عمار أهم محطاته الكفاحية، والفصل الأطول في حياة فلسطين على طريق التحرر، من استعادة الهوية الفلسطينية، وتفجير الثورة الوطنية إلى وضع أسس الدولة الفلسطينية المستقلة، كان مقاتلاً ومفاوضًا ومناورًا من طراز خاص، كان رجلاً بحجم شعب، وبحجم ثورة، وبحجم أمة، وبحجم دولة، كان أخًا وأبًا لرفاقه ولأبناء شعبه، ولكافة المناضلين من أجل الحرية، وإنهاء الاستعمار والتمييز العنصري من أمريكا اللاتينية إلى إفريقيا إلى آسيا إلى كل القضايا الإنسانية، لم يعرف قلبه الحقد أو الكره أو التمييز، كان محبًا للجميع فكان قائدًا أسطوريًا سهلاً ممتنع، لكل هذا لم ولن يخفت بريق أبو عمار قائدًا فذًا من طراز خاص، خالدًا يتجدد في الوعي والوجدان، يصعب تقليده كما يصعب تكراره، لكل ذلك تتجدد ذكرى رحيل أبو عمار في كل عام، وفي كل يوم، وفي كل ساعة، بقي وسيبقى حاضرًا في ذهن رفاقه وأبناءه واتباعه، ومريديه، في ذهن شعبه، جيلاً بعد جيل، حتى تتحقق الأهداف التي ناضل وقضى من أجلها أبو عمار، سيبقى خالدًا في الذهن العالمي لحركات التحرر الوطني، والنضال ضد الاستعمار، والهيمنة والتمييز العنصري، ملهمًا لها في استمرار النضال والكفاح ضد الاستعمار والعنصرية والميز العنصري، كما هو ملهم لشعبه وأمته في النضال التحرري الوطني والقومي، واليوم تتجى أهمية كفاحية أبو عمار، وكفاحية حركته الوطنية حركة «فتح» التي بناها بالجد والاجتهاد في زمن استثنائي، وظروف أكثر استثنائية وتعقيدًا، لتقود النضال الوطني الفلسطيني، في هذا الوقت الذي يشهد فيه العالم العربي الكثير من التصدعات والحروب والدمار على مستوى المجتمعات، والشعوب والدول، التي انهارت وحداتها الوطنية، ليمثل فكر أبو عمار الوطني الجامع والموحد، وفكر حركته الوطنية «فتح» التي أرسى قواعدها النضالية والفكرية على أسس من الوحدة الوطنية الجامعة لكل التعدد والتنوع، لتمثل الحل وسلم النجاة والصعود من حالة التمزق والتشرذم التي أصابت الجميع دولاً ومجتمعات، إنها الفكرة الوطنية الخالصة الصافية الجامعة، على أساس وحدة المجتمع ووحدة الوطن والمواطنين، دون النظر إلى اللون أو الجنس أو الدين أو الطائفة أو الجهة، إنها الوحدة الوطنية المظلة الحامية للجميع أفرادًا وجماعات والضامنة لوحدة الأوطان والمجتمعات ووحدة الدول، أنه فكر أبي عمار ياسر عرفات الشهيد الحي الباقِ خالد في الوجدان، وفي الفكر الثوري والوطني العربي والإِنساني، المتجدد والمتألق دائمًا دون حدود، فهو أول الكلمات، وأول قطرات الندى، وحشرجات الصوت، والرعشات في الشجر، والدمعات في النهر، وهو البركان وهو الثورة.
رحمك الله يا أبا عمار سيد الثوار والرجال والشهداء... يا من رسمت الطريق إلى الحرية، وإلى القدس وفلسطين حرة عربية...