د.عبدالرحيم محمود جاموس
فلسطين قضية القضايا العربية، والشرق أوسطية، والدولية على السواء، من لم يدرك ذلك بعد سبعين عاماً على صدور قرار الجمعية العامة رقم 181 القاضي بتقسيم فلسطين إلى دولتين والقرار 194 القاضي بعودة اللاجئين الفلسطينيين والقرار 242 القاضي بانسحاب (إسرائيل) من الأراضي المحتلة لعام 1967م، وحل مشكلة اللاجئين، وسلسلة القرارات الأممية التي أدانت ورفضت الاستيطان الصهيوني وتغيير معالم الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبعد أن مارس الشعب الفلسطيني كافة أشكال النضال والمقاومة المسلحة والسلمية، ومقارعته إسرائيل في كافة المحافل الدولية، فإنه سيكون عاجزاً عن الفهم لطبيعة الصراع كونه مصدرا رئيسيا إن لم يكن الأول لمختلف مشاكل المنطقة وفي مقدمتها الإرهاب، وبعد انفراد أمريكي دام أربعة وعشرين عاماً للإشراف على مفاوضات ثنائية إسرائيلية فلسطينية، للتوصل إلى اتفاق سلام ينهي الصراع بين الطرفين، والذي وصل إلى فشل ذريع، وإلى طريق مسدود، بسبب التعنت الإسرائيلي والطمع في التوسع على حساب الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني من جهة، والإنحياز الأمريكي وعدم الرغبة الحقيقية في فرض الحل من جهة ثانية، والشعب الفلسطيني بدوره يتمسك بحقه الكامل في العودة وتقرير المصير وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، فقد سئم هو وقيادته من هذا الانحياز الأمريكي، والتسويف والمماطلة الدولية في تفعيل الشرعية الدولية بينه وبين الكيان الصهيوني، مما دفعه إلى إطلاق انتفاضته الشعبية والسلمية، والتي لم يجد سوى سكاكين المطابخ ليذود فيها عن كرامته، وعن حقه في العيش حراً وكريماً في وطنه، وقد أعاد بذلك إلى الأذهان المتجاهلة لحقائق الواقع، أن قضيته عصية على النسيان، وأنه يرفض الاستسلام والإذعان، ويبحث جاداً عن حقوقه المشروعة وعن الأمن والسلام له وللآخرين، رغم بطش العدوان الصهيوني المتصاعد، وسياسة الحواجز، والفواصل العنصرية، التي يمارسها بأبشع صورها، واستمرار توسعه الاستيطاني، وتهديده للمقدسات الإسلامية، وسعيه لاقتسامها مكانياً وزمانياً، تمهيداً للسيطرة الكاملة والمطلقة عليها، كل ذلك أجج المشاعر الوطنية والقومية والدينية لدى الشباب الفلسطيني ودفعه للانخراط في هبة وانتفاضة جديدة ونوعية، أفقدت الكيان الصهيوني صوابه، وبدلاً من أن يستجيب للإرادة الدولية ولرغبات الشعب الفلسطيني في إنهاء احتلاله ووقف سياساته، أخذ يبحث عن حلول أمنية وعسكريةمن جديد، ظناً منه أنه يثني ويكسر الشعب الفلسطيني وقيادته عن مطالبهم المشروعة، مستنجداً بحلفائه الغربيين كالعادة، وفي مقدمتهم الولايات المتحدة، للمساعدة في تهدئة الأوضاع، والضغط على القيادة الفلسطينية بل وتهديدها بالحصار، والإبعاد، ووقف المساعدات الدولية الغربية عن السلطة الوطنية، من أجل العودة بالوضع إلى ما كان عليه، ليستمر في سياساته الغاشمة القائمة على إنكار الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني.
فلسطين اليوم، الشعب والقيادة وعلى رأسها السيد أبو مازن، لا يبحثون عن تهدئة، أو مزيداً من الثرثرة العبثية تحت مسمى مفاوضات، إنهم يريدون اليوم وبشكل محدد:
أولاً: توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني، ومقدساته الإسلامية والمسيحية، من إجراءات وبطش الاحتلال، وكف يده العابثة بأمن وحياة الشعب الفلسطيني ووقف سياسة الحصار والتجويع والاعتقالات والإعدامات التي يتعرض إليها أبناء فلسطين على الحواجز ونقاط التماس.
ثانياً: تفعيل الشرعية الدولية، وتدويل الصراع، وإنهاء الاستفراد الإسرائيلي الأمريكي بالشعب الفلسطيني، وصولاً إلى حل ينهي الاحتلال الإسرائيلي والاستيطان والجدار، ويمكن الشعب الفلسطيني من إقامة دولته على حدود الرابع من حزيران وعاصمتها القدس، وحل مشكلة اللاجئين الفلسطينيين وفق القرار 194.
دون تحقيق هذين الشرطين في أي تحرك أو مسعى دولي سواء من الولايات المتحدة، أو من الرباعية الدولية، أو الأمم المتحدة، فإن الهدوء لن يعود إلى فلسطين إلى ما كان عليه، بل سوف يتصاعد العنف، ولن يقف الشعب الفلسطيني حينها مكتوف اليدين، وستستمر الإنتفاضة الفلسطينية حتى يذعن العالم والكيان الصهيوني لمطالبه، ولن يقتصر أثر الانتفاضة هذه المرة على الكيان الصهيوني، بل سيتأثر بها الجميع، وسيتردد صداها في كل العواصم العربية والدولية، إلى أن يفرض الحل المقبول فلسطينياً وعربياً ودولياً، وهذا سيشكل مدخلاً رئيسياً لمكافحة الإرهاب وتجفيف مصادره في المنطقة الشرق أوسطية.
فلسطين اليوم تريد حلاً متوافقاً مع الشرعية الدولية، لا تهدئة وثرثرة دولية باسم استئناف المفاوضات العبثية حول الصراع.