عماد المديفر
تطرقت الأسبوع الماضي إلى الحملة الدعائية التضليلية الشرسة التي تستهدف تشويه صورة المملكة، وهويتها، لدى الرأي العام الشعبي الدولي، وخصوصاً لدى الشعوب في الدول الديمقراطية في أوروبا وأمريكا، حيث الدول الحليفة، والعظمى، وحيث الرأي العام المؤثر والضاغط والفاعل على صانع القرار، وعلى عملية صنع واتخاذ القرار برمتها، أو لنقل على الأقل بأنه يصعب اتخاذ قرار سياسي على قدر من الأهمية مالم يتم التمهيد له عبر تهيئة الرأي العام لقبول مثل هكذا قرارات في مثل هكذا دول.. وهنا ندق ناقوس الخطر..!
تطرقت الأسبوع الماضي إلى الحملة الدعائية التضليلية الشرسة التي تستهدف تشويه صورة المملكة، وهويتها، لدى الرأي العام الشعبي الدولي، وخصوصاً لدى الشعوب في الدول الديمقراطية في أوروبا وأمريكا، حيث الدول الحليفة، والعظمى، وحيث الرأي العام المؤثر والضاغط والفاعل على صانع القرار، وعلى عملية صنع واتخاذ القرار برمتها، أو لنقل على الأقل بأنه يصعب اتخاذ قرار سياسي على قدر من الأهمية مالم يتم التمهيد له عبر تهيئة الرأي العام لقبول مثل هكذا قرارات في مثل هكذا دول.. وهنا ندق ناقوس الخطر..!
وكنت قد تطرقت إلى أن إدارة هكذا أزمة «متوقعة» كان من المفترض أن يبدأ مبكراً - وعلى كل حال .. أن تصل متأخراً خير من أن لا تصل!- وأشرت إلى أن مسؤولية التصدي لهكذا حملات إعلامية شرسة تستهدف الرأي العام الشعبي الدولي ليس من المهام الرئيسة لوزارة الخارجية بخلاف ما ذهب إليه عدد من زملائي الكتاب، خصوصاً إذا ما علمنا أن الاتصال الدبلوماسي في أساسه اتصال بين حكومة وحكومة، لكن لا يمنع ذلك من تواصل السياسيين والدبلوماسيين مع شعوب الدول الصديقة.. إذ عادة ما يكتفى في هذا السياق ببيانات، أو تصريحات إعلامية، أو مؤتمرات صحفية، أو تغريدات رسمية، أو لقاءات هنا أو هناك مع مثقفين وأكاديميين وقادة رأي، بحسب ما تسمح به الظروف وبشكل غير مبالغ فيه، لكن يظل الاتصال الحكومي (ممثل حكومة إلى ممثل حكومة) هو العمل الرئيس. وعليه ذهبت إلى ضرورة إنشاء «رئاسة عامة للدبلوماسية الشعبية» تقوم بهكذا مهمات، وتكون مرتبطة بشكل مباشر بمجلس الشؤون السياسية والأمنية، وهو ما استفز عدد من اللماحين الفطنين ممن شرفني بقراءة تلك المقالة، وتفاعل أحدهم عبر «تويتر»، وغرد متعجباً: «عندما تنشئ رئاسة عامة للدبلوماسية الشعبية فإنها لا تعود «شعبية»»!
الواقع أن مثل هكذا تساؤلات تتردد كثيراً، خاصة لدى المختصين في مجالات أخرى غير «الإعلام السياسي» و»العلاقات العامة الدولية» وهو التخصص الأكثر قرباً لـ»الدبلوماسية الشعبية»، ذلك أن منبع هذا التساؤل يعود إلى الغموض في المصطلح العربي «الدبلوماسية الشعبية».. فما الدبلوماسية الشعبية؟
سبق وأشرت في مقال سابق بأني حين أقول «الدبلوماسية الشعبية» فأنا أقصد بها الـ»Public Diplomacy» حصراً، ونظراً لوجود ترجمات عربية عدة لهذا المصطلح، أبرزها (الدبلوماسية الشعبية) و(الدبلوماسية العامة) و(الدبلوماسية العلنية)، فقد كانت إشكالية التعريب هذه محل جدل، وقد استبعدت في مقالاتي وأبحاثي استخدام (الدبلوماسية العلنية) كونه «الأقل انتشاراً والأكثر عمومية»، إلا أن الإشكال الحقيقي الذي واجهني في تعريب المصطلح هو: هل أستخدم «الدبلوماسية الشعبية»؟ أم «الدبلوماسية العامة»؟ وقد كانت هذه النقطة تحديداً محل نقاش محتدم بيني وبين بعض الأكاديميين المختصين في حقل العلوم السياسية، بما فيهم أساتذة في معهد الدراسات الدبلوماسية، إذ ارتأوا أن الترجمة الحرفية الصحيحة للمصطلح هي (الدبلوماسية العامة)، إلا أن أساتذة مختصين في علوم الاتصال والعلاقات العامة والإعلام ارتأوا مناسبة الأخذ بمصطلح (الدبلوماسية الشعبية) مع قولهم بسلامة استخدام مصطلح (الدبلوماسية العامة) أيضاً كونها الترجمة الحرفية الصحيحة.. هذا الإشكال، وهذا الانقسام، والغموض، دفعني للتعمق في دراسة التعريب الأقرب للمصطلح الإنجليزي؛ ولأتوصل لنتيجة مُحكَّمة أثبتها منهجياً، مؤداها استبعاد مصطلح (الدبلوماسية العامة) كونه يقتضي وجود دبلوماسية خاصة، ولغموض المصطلح وعدم وضوحه لدى الممارسين العرب، وهو ما أظهرته نتيجة استطلاع أجريته على عينة عمدية من منسوبي وزارة الخارجية ممن يحملون تخصصات في العلوم السياسية، أو القانون، أو الإعلام، أو الاقتصاد، أو علوم الحاسب، أو الإدارة، أو الهندسة، أو اللغات، وممن لم يسبق لهم تلقي دورات تدريبية في هذا المجال - أي أنهم لم يتأثروا بمؤثرات خارجية تدفعهم لتبني آراء محددة لهم مسبقاً تجاه فهم المصطلح- ويتركز هذا الاستطلاع على تفسيرهم لما تعنيه عبارة (الدبلوماسية العامة) وكانت النتيجة أن التبس عليهم المصطلح العربي وفهموا أن المقصود منه هو الدبلوماسية في عمومها أو (الدبلوماسية بشكل عام) كقولنا (الإدارة العامة)، وعند سؤالهم عن (الدبلوماسية الشعبية) جاءت النتائج إيجابية، وأقرب ما تكون للتعريف الانجليزي لـPublic Diplomacy، وعليه التزمت ترجمته بـ(الدبلوماسية الشعبية) لامتيازه بالوضوح والدقة، فهي «ممارسة دبلوماسية» موجهة إلى «شعوب» وجماهير الدول الأخرى وليس مراكز السلطة أو صنع القرارات الحكومية فيها، وأن «الممارة الدبلوماسية» - بحسب علماء السياسة والاتصال- تتطلب وجود (سياسة) و(تفاوض) في إطار (جماعة دولية) و(علاقات دولية) ما يحتم أن تكون احدى النهايات الطرفية - على الأقل- لهذا الاتصال هو، وبوضوح، طرف ممثل لدولة، وهو ما يعني أن تواصل الشعوب وبعضها فقط لا يدخل ضمن هذا الإطار، مالم يكن أحد أطرافه (حكومة) ويرمي إلى - أو يتسبب في - التأثير - وعن قصد- في السياسات والعلاقات بين الدول، وهو مايتفق ودراسات عربية أخرى تناولت المصطلح. الأسبوع القادم نتناول معاً العمل الدبلوماسي الشعبي، ودوره البالغ الأهمية.. فإلى اللقاء.