محمد آل الشيخ
ومرة أخرى يمد الإرهاب عنقه البشع والدموي والمحتقن طائفية في مدينة نجران الحبيبة، وفي أحد مساجدها. ورغم أن العملية الداعشية كانت عملية نصف فاشلة، بافتداء أحد المصلين الأبطال بنفسه وطرح المنتحر المفجر أرضا، واتخذ من جسده الطاهر حائلا بين هذا الموبوء النجس المأجور وبين المصلين، مما قلل من الضحايا، إلا أن هذه الجريمة تثبت للمرة الأخرى أننا لن نستطيع مواجهة هذه الفرقة المجرمة أمنيا فقط ومن خلال رصد تحركاتهم ومنابعة كوادرهم، وتذرعها المزعوم بالجهاد، إلا بالضرب بيد من حديد لا تعرف الرحمة ولا الشفقة على كل من يروجون هذه الثقافة التكفيرية، والتي اتخذت في الآونة الأخيرة توجها طائفيا متعفنا، كعفن دعاته والمروجين له. لذلك ولمواجهة هذه الظاهرة المميتة، فإن من المفروض الملح الذي لا يقبل التأجيل ولا النقاش في إلحاحه،، أن أول خطوة يجب أن نبدأ بها على عجل هي إصدار نظام يجرم الطائفية، ومعاقبة دعاتها والمروجين لها، بعقوبات رادعة، بل ومتشددة، ومن ثم تطبيقها على أيِ كان، مهما كان موقعه الاجتماعي أو الديني، فالقضية لم تعد تحتمل أي تهاون أو مراعاة لهذا أو تقدير لذاك. وهنا يجب أن نعترف أن بعض كتب التراث الموروث التي ينطلق منها دعاة الطائفية، ويرفعون من شأنها، إلى درجة تقترب من قدسية كلام الله جل وعلا، أو معصومية الرسول صلى الله عليه وسلم، هي مصدر الداء ومكمن العلة، حتى ذهب بعض الوعاظ السذج، والمكتظ غباء وتخلفا، إلى أن هناك من (الجن) من هو شيعي خبيث - مثلا - ومن هو سني، وهذه المعلومة كما يزعم استقاها من التراث؛ والطامة الكبرى أن هذا الأحمق مدرسا كما يقولون في جامعة الملك سعود. وأحمق آخر غرد في تويتر بطامة يقول فيها: (الرافضة، والليبرالية، العلمانية، والنصيرية ومن لف لفهم كفار كلمات أرددها على منبر الجمعة منذ 9سنوات، مت بغيظك). وغني عن القول إن بيئة موبوءة بهذه الفعاليات الناشطة الطائفية لابد وأن تنتهي بهذه النتائج التي تجسدها الآن (داعش) خير تجسيد. والمريض المجرم الذي فجر نفسه في نجران، كان كادراً قاعدياً سابقا، تم القبض عليه، وسجنه، ومر ضمن من مروا على لجان المناصحة، ومن ثم أوصوا بالإفراج عنه، فلم تردعه المناصحة ولا من ناصحوه عن ارتكاب جريمة أشد وأشرس وأقذر مما كانت سببا في إيقافه أول مرة. وهنا لا بد من نقد لجان المناصحة نقدا موضوعيا على حسب مخرجاتهم مثل هذا المجرم الحقير. وهنا لا بد من الول إن تقويم السجين، ومحاولة إصلاحه أثناء سجنه ممارسة تنتهجها كل دول العالم، وبالذات في القضايا ذات التوجه الفكري؛ غير أن مشكلة لجان المناصحة الهيكلية يطغى عليها توجه الإصلاح الديني بصورة أولية، على افتراض أن قضية الإرهاب قضية دينية، ولا بد أن يتولاها متخصصون دينيون. إلا أن توجه الإرهاب في الآونة الأخيرة إلى الانتحاريين المضطربين نفسياً يؤكد أنها نتيجة لمرض نفسي عضال وليست فقط ضلال ديني وسوء فهم للإسلام الذي نزل على محمد صلى الله عليه وسلم، يتلبس في الظاهر بالدين الحنيف، ويتخذ منه مبررا، لذلك فإن لجان المناصحة، يجب أن يتولاها متخصصون نفسيون أولا، ولا مانع أن يساندهم متخصصون دينيون وليس العكس، كما هو معمول به لدى الجهات المختصة في وزارة الداخلية.
وأخيرا أقول كما أقول دائما إن القضية ثقافية أولا وستظل تمد أعناقها بين الفينة والأخرى طالما أننا لا نواجه مصادرهم وأساطينهم الثقافية إضافة إلى أن من المفروض التعامل مع كوادرهم المقبوض عليهم كظاهرة مرضية نفسية، وليست في البواعث والمنطلقات من خلال فهم خاطئ للدين كما يتصور البعض. صحيح أن الدعاة والمحرضين على الإرهاب متأسلمين سياسيين إلا أن من جندوهم وغرروا بهم ودفعوهم إلى الانتحار هم مرضى نفسيون. هذا البعد يجب أن نأخذه في الاعتبار.
إلى اللقاء.