هاني سالم مسهور
مع انطلاق لقاء فيينا الذي جمع وزراء خارجية السعودية والولايات المتحدة وروسيا وتركيا، تبادر سؤال تصدّر وسائل الإعلام عن غياب إيران، والتي تراها المملكة العربية السعودية أنها جزء من مشكلة سوريا وليست جزءاً من الحل ، كان غياب الإيرانيين عن ( فيينا )1 مثيراً، فالمتابع الفطن لهؤلاء لا يمكن له أن لا يبحث عنهم في مكان ما، فإذا كان اللقاء الهام ينعقد بعد تحول مهم في الملف السوري إثر التدخل الروسي عسكرياً، والتراجع الملحوظ لإيران في جبهات القتال السورية، فإنّ السياسة الإيرانية استدركت أن عليها البحث عن أوراق جديدة في موقع آخر وجدته في عدن.
عاد الإيرانيون يطرقون أبواب عدن التي انهزموا على أرضها في 14 يوليو 2015م، بعد أن تم تحريرها من قوات حلفائهم الحوثيين ، هذه العودة الإيرانية تأتي بعد واقع مغاير تعيش فيه عاصمة الجنوب عدن وكل المحافظات الجنوبية المحررة ، فالإيرانيون يدركون أنّ الأوضاع الراهنة ( سياسياً ) في عدن لا تنسجم إطلاقاً مع النزعة الانفصالية السائدة والتي تسببت فيها حرب صيف 1994م .
حاولت عدد من الأطراف اليمنية على مدار سنوات طويلة إلصاق تهمة ربط القضية الجنوبية بالمشروع الإيراني ، وكان الرئيس المخلوع علي عبد الله صالح يطلق مكرراً بأنّ الحراك الجنوبي هو إيراني، وأنه ينفذ أجندة خارجية، لكن ما حصل منذ اندلاع الأزمة اليمنية السياسية في فبراير 2011م كان مغايراً ، فالجنوبيون رحبوا بالمبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ، والتقوا في ديسمبر 2012م بمقر الأمانة العامة لدول مجلس الخليج العربية بالعاصمة الرياض الدكتور عبد اللطيف الزياني، وقدموا ( وثيقة سياسية ) رحبت بالمبادرة الخليجية، وطالبت بعقد مؤتمر جنوبي لتمثيل القضية الجنوبية في المراحل السياسية التي كانت معنية بمعالجة الأزمة اليمنية.
شعر الجنوبيون بكثير من الالتزام في 26 مارس 2015م، عندما بدأت الرياض في عملية «عاصفة الحزم» وتوارت المطالب الانفصالية وانخرط الكثير من الشباب الجنوبيين في المقاومة على مختلف الجبهات، وشهدت الضالع ميلاداً لمقاومة ملتزمة بالضوابط، وتحت أوامر التحالف العربي، الذي نجح بمشاركة المقاومة في تحرير مدينة عدن التي كانت بعد الضالع، لتفتح صفحة أخرى أثبتت فيها المقاومة أنها تتعاطى بمسؤولية كاملة مع متطلّبات المرحلة السياسية.
سياسياً ندرك أنّ الإيرانيين يحاولون استثمار الوضع في اليمن عبر استقطابهم العديد من الأصوات، التي يمكنها أن تجد أرضية شعبية من خلال إثارة القضية الجنوبية داخلياً، دون إدراك أنّ هذه الورقة تثار إيرانياً من أجل الاستقواء في معالجة الملف السوري، والذي تحاول فيه طهران جاهدة مواجهة الموقف السعودي الحازم تجاه الحلول الإيرانية التي تدعم وجود بشار الأسد، وتحاول تقسيم سوريا تقسيماً طائفياً يضمن وجود إيران في بلاد الشام، كما يضمن المصالح الروسية والمطامع المشتركة للجانبين في الساحل السوري عبر إقامة الدولة العلوية.
إنّ تدارك التحالف العربي لهذا الالتفاف الخطير في اليمن، يجب أن يكون قاطعاً من خلال ضرب المشروع الإيراني في اليمن، عبر تطمينات عملية لمستقبل الجنوب واحتواء الجنوبيين في المقاومة الجنوبية، عبر معالجة أوضاعهم وبخاصة عبر ضمهم للجيش الوطني، حسب مقررات الحوار الوطني التي التزمت بتسجيل 125000 جندي من أبناء الجنوب داخل الجيش، المرحلة ليست مرحلة مراهنات فاشلة، فالعاصمة عدن التي انتصرت لن تكون إلاّ عربية.