كوثر الأربش
لو أننا انتبهنا لذلك السلك المعطوب في البيت، لما اشتعلت النار. لكننا بدل فحص الأسلاك دورياً، وبعد اشتعال النار، نبحث عن أسبابها! هذا هو الفرق بين الحس الوقائي والحس العلاجي. داعش اشتعلت ونحن الآن نصطلي بنارها كل يوم، وكالنار تماماً لاتحدث فجأة، كان هناك سلك معطوب لم ننتبه له.
رأينا الدخان واللهب، ولم نر السلك! وبما أن الوقت قد فات للإجراءات الوقائية، فلنجرب الحلول العلاجية. وقبل وضع خطة للعلاج، سنتحتاج للتحليل، أعني تحليل الأسباب أولاً. يعتقدون أن هناك قوى سحرية أو إدمانية ألجأت الشباب لأن يصبحوا قاتلين، أصابت ضمائرهم بالتكلس التام، غسلت أدمغتهم بالدم، ومخيلاتهم بالسعادة والخلود والحوريات! برنامج غواية متكامل يحول الناس، حتى الأسوياء والمتعلمين والمتشردين يحولهم لسافحين، ولكنه سفاح يعتقد أنه شهيد!.
إنني لا ألوم من يعتقد أن هناك أسباباً غيبية كالسحر، أو إجرائية كالإدمان، هي من تصنع هؤلاء القتلة والمتطرفين. لأننا اعتدنا تفسير الغرائبيات بالغيبيات، اعتدنا أن نخفف ثقل مسؤوليتنا بأسباب خارجة عن إداراتنا كالإدمان.. وفي الحقيقة صناعة قاتل لا تحتاج لكل هذا. إذا كنت تبحث عن قاتل أو مخرب، يمكنني أن أعطيك خلطة تصنع قاتلاً متسلسلاً أو مخرباً في بضعة شهور. الخلطة تبدأ من الطفولة: حين يأتي ابنك للحياة، عليك بتلقينه الفوقية، وأجعل كل المختلفين عنه أدنى درجة، لا تدمجه مع الآخر، أخبره بالفروقات الدينية والعرقية والمذهبية أو المادية بينه وبين أقرانه، أنت بهذا تزرع أول بذور التطرف. المقدار الثاني: اهدم اعتباره لنفسه، ولعقله. وفي المقابل دعه يعتقد أن هناك من يفكر بطريقة فائقة، لا يشوبها الخطأ. أي اجعله يقدس الأشخاص. لا تسمح له بانتقادهم، وإذا فعل أخبره أنه يتبع هواه! أنت بهذا خطوت خطوة ناجحة نحو الدعشنة والتطرف. ثم إذا تقدم في العمر، حاصره بالحرام، أجلعه يغرق في عدو الاستقامه الأول وهو «الملل». فرغ محتوى حياته من المباهج والهوايات البريئة. واجعله يشعر بالخواء والملل. لا بأس الملل مساحة جيدة للشيطان! المقدار الخامس: التخويف، الخوف بيئة خصبة لزراعة الشر، خوفه من النار، من الذنب، بطريقة مرهبة تخلو تماماً من مظاهر الرحمة، صور له جهنم كما يسن القصاب سكينه في وجه الماعز! لا تذكره برحمة الله وجماله. لأن ذلك سيؤخر مشروع صناعتنا. إذا بلغ ابنك السابعة عشرة، سيكون مهزوزاً، خائفاً، يشعر بضآلته، خاوياً، وفارغا من قيم الجمال والتسامح وتقدير الآخر. كارهاً لحياته، راغبا تماماً في تصحيح أي شيء، قوة الشباب ستدفعه للثورة على واقعة، كل الشباب يريدون أن يفعلوا شيئاً مثمراً في الحياة، شيئاً يرضي الله عليهم، لكن الشاب الذي صنعناه لا يمتلك القدرة على استخدام عقله واختيار مسار التصحيح والإنجاز، سيبحث عن عقل مقدس، عن أنموذج جاهز، يمثل القوة والإيمان معاً. مرحلة الشباب وحدها كافية لأن تلهب مشاعرة نحو فعل شيء ما، شيء عظيم يشعره بوجوده. هذا ما يفسر ثورية الشباب وحماسهم والطاقة الخلاقة بدواخهم، لكن فتاناً لا يُسمح له بالإبداع، ولا ابتكار حياته، تعلم منذ طفولته أن اتباع عقله مجرد اتباع هوى! وأن عقله كالسيارة المعطلة تحتاج لمن يسحبها بحبل! هذا التكوين المعقد الذي خلقته الآن، هو ما يبحث عنه الإرهابيون والمتطرفن. هؤلاء سيجدون ابنك، لن يحتاجوا معه إلا بضعة شهور، ليحولونه لقاتل أو مخرب. بضعة شعور فقط. أنت وفرت لهم السلك العاطب، وهم فقط أشعلوا الشرارة. والشرارة لا تحتاج لسحر ولا مخدرات، بحاجة فقط لشاب منهك، يائس، كاره لذاته ولواقع وللآخر، يحلم برضى الله على طريقه عقل مقدس!.