كوثر الأربش
على هامش الدماء الزكية التي سالت في سيهات، شرق المملكة، بعد اعتداء وحشي من أحد المنتمين لتنظيم (داعش)، تعود المطالبات من جديد لضرورة سن قانون تجريم الطائفية/ الكراهية/ العنصرية. وكل فريق يفصِّل القانون حسب مقاسه العاطفي وانتماءاته. بافتقار واضح لنظرة شمولية، تحمي الجميع، الجميع من أطياف المجتمع، دونما تحيُّز. وسيكون فشلاً ذريعاً لقانون هدفه حفظ الحق الفكري والعرقي ثم يصب في قناة فئة، متجاوزاً فئة. سيكون فشلاً غير مسبوق وفوضى.
سن قانون كهذا سيكون معقداً بتعقيد فهمنا وقراءاتنا للغة. وسيصعب تحديد ما إذا كان الفعل تحريضاً أو كراهية أو عنصرية أو نقداً أو رأياً، صعباً بقدر صعوبة الجزم بمعنى واحد لنص أدبي. أعني تعدُّد القراءات، تماهي المعنى، السياق. هذا أولاً. الثاني: يفتقد الغالبية التفريق بين النقد والتحريض، النقد علم قائم بذاته، ولا يفترض به أن يمس الذوات. هناك فرق بين الازدراء والسخرية والانتقاص وبين النقد. وهذه الإشكالية تفوت على أكثر الناس نشاطاً بالمطالبة بقانون تجريم الكراهية. فحينما ننقد لوناً تحبه، أو طقساً تقوم به، أو شركة تفضلها، أو فكرة تعتقد أنها دينية ولا يراها الناقد كذلك، إنّ هذا لا يخرج من نطاق النقد. حينما نقوم بدراسة أو طرح رأي ما في مدينة زرناها وكتابة ملاحظة على الطابع العام لطبيعة السكان، كأن أقول تغلب عليهم الشدة، أو غير اجتماعيين. أيضاً لا يمكن أن يجرم القانون الآراء! هذه المتاهة في تحديد النقد والرأي الشخصي والتحريض بحاجة لدقة متناهية ومراعاة حرية التعبير والرأي. وإلا غاب النقد عن المشهد ووقعنا في حصار «حرية التعبير». إنّ ذاتك وما يمت بها بصلة وثيقة كأبوّتك، عاطفتك، مظهرك، صوتك، وغيرها هي ما تكون في دائرة تحريم النقد، أما أفكارك فليس من حقك احتكارها وحمايتها من النقد، حتى وإن كانت أفكاراً دينية! النقد الديني مسؤولية كل مؤمن، التخبطات كثيرة، والمدسوسات والانحرافات أكثر، فلا طريق أقرب لمعرفة أصالة المعتقد وانتسابه المباشر لله وللنبي إلا النقد. هو مصداق التفكّر الذي حثنا عليه القرآن، لا يحق لك اعتبار النقد جريمة! وهذه أيضاً أحد عوائق قانون تجريم الكراهية لأننا سندخل في معمعة اتهام الناقد وحصار الفكر!
ثالث عائق وهو الموروث: هناك من يرى أنّ المناهج الدراسية المحرّض الأول على الاقتتال الطائفي، فيما يعتبر التحريض في موروثه ومنابره جزءاً من عقيدته ودينه المحرمة على النقد! بمعنى: ينتقد اعتبار التوسل بالقبور شركاً في المناهج، فيما يعتقد أنّ من حقه اعتبار من لا يفضّل علي بن أبي طالب على بقية الصحابة «رضوان الله عليهم جميعاً» ضالاً! ينتقد اعتبار بعض عباراته الدينية شركية مثل: (بجاه فلان، بحق فلان) ويغفل عن موروثه الذي يعتبر جحد الولاية بعد الاستيقان بها ارتداداً، وينطبق على الجاحد كل أحكام الردة! فإذا كنا نريد قانوناً يحمي المعتقد بكل ما فيه من انتقاص لاعتقاد الآخر وتضليله وتشريكه وتكفيره، علينا إما السماح لكل طائفة بذلك أو تجريم الجميع. العائق الرابع: «التحريض المضاد» بمعنى هناك من يتخبط في توزيع تهمة التحريض بشكل عشوائي، اعتماداً على تغريدة، أو مقال، أو موقف، فيقوم بالتحريض ضده بشكل مضاد، وأكثر عنفاً وشراسة، وباستخدام كل أنواع البذاءة والقذف والشتم!! ففي حال سن قانون تجريم الكراهية والطائفية، هل سيشمل القانون هؤلاء المحرضين المضادين؟
ختاماً: القانون ضابط للمجتمع المدني، وحاجتنا لقانون تجريم الكراهية يتضاعف، لوجود تحريض واضح ومعلن من أصوات متطرفة، في الإعلام والمنابر وفي مواقع وشبكات التواصل الاجتماعي، أعني التحريض الواضح، كالدعوة للقتل، والتصفية، والطرد. أعني اللغة الواضحة التي تكسر كل احتمالات البراءة. نحن بحاجة لإيقاف هؤلاء الذين رسموا خارطة الطريق لشبابنا وزجّوا بهم في أتون فتنة طائفية لا آخر لها، ولكن علينا أن نعرف أنّ القوانين حين تسن بدقة، لن يسلم منها حتى المطالب بها، لا فرق في عرف القانون بين تحريض وتحريض مضاد، حتى وإن كنت ضحية أو صاحب ردة فعل في نظرك.