عروبة المنيف
بين الفينة والأخرى تطالعنا الصحف على حوادث للعنف الوالدي والذي تتفاوت عواقبه ما بين إصابات جسدية ونفسية مسببة عاهات مزمنة إلى حدوث ما هو أسوأ ألا وهو موت الضحية «الابن أو الابنه»، وقد تم إدراج تلك الحالات مؤخراً تحت مسمى «الإسراف في التأديب» المؤدي إلى الوفاة!.
أحدث تلك التقارير مأساة الطفلة يارا ابنة السبعة أعوام والتي ماتت علي أيدي والدها «المنفصل عن والدتها» في ليلة عيد الأضحى نتيجة تعرضها لضرب مبرح.
يزداد المشهد مأساوية عندما نستشعر أحاسيس الأم المكلومة التي أمنت على فلذة كبدها عند أقرب الناس إليها، والدها الذي خان الأمانة.
يخضع إيقاع حياتنا لحزمة من القرارات التي تخضع بدورها لمجموعة من المعايير تتحكم فيها عادات وتقاليد وأعراف اجتماعية سائدة تؤثر بشكل أو بآخر على مخرجات ونتائج تلك القرارات.
تخضع قرارات الزواج، على سبيل المثال، لدينا وفي أحوال عديدة إلى معايير أسرية اجتماعية قبلية..إلخ، متقدمة بشكل أو بآخر على المعايير الأخرى الخاصة بطرفي العلاقة «الشاب والفتاه» ما ينتج عن ذلك انعدام الانسجام وتقهقر الارتباط الذي في النهاية يؤدي إلى الانفصال، وقد ارتفعت لدينا معدلات الطلاق مؤخراً إلى نسب فاقت المعدلات العالمية بكثير.
يزداد الأمر تعقيداً عند حدوث الطلاق بوجود أطفال بين الطرفين فتتدخل تلك المعايير والأعراف الاجتماعية معلنة عن التحكم في قرار الأم المطلقة الذي يخصها هي شخصياً ألا وهو قرار احتفاظها بأطفالها أو التنازل عنهم لوالدهم. على الرغم من أن القضاء قد يحكم للأم بأحقيتها في احتضان أبنائها مع تمتع الأم المطلقة بميزة استقلالها المادي وحصولها على دخل ثابت، كل تلك الأمور لن تشفع لها، فهي في نظر الأهل غير قادرة على اتخاذ القرار المناسب لها!. ففي حالات كثيرة لا يتحمل «أهل المطلقة «عبء أبنائها فارضين عليها التنازل عنهم لأبيهم على اعتبار أنها غير قادرة على استقلالية العيش فهي حسب العرف الاجتماعي غير مؤهلة لذلك نتيجة مجموعة من القناعات الاجتماعية السائدة.
إن نتائج تلك القرارات المتخذة نيابة عن الأم المطلقة من قبل الأهل تتجرع في النهاية هي وحدها نتائجه المأساوية فالأبناء يخصونها والوجع وجعها والعواقب هي من سيكتوي بنارها عاجلاً كان أم آجلاً.
الاستقلالية للمرأة لا تعني فقط الاستقلال المادي، إنها بوتقة متكاملة من عدة عوامل متضافرة تبدأ من قناعات الأهل بضرورة وأهمية منح الثقة الكاملة لابنتهم والاستقلالية في اتخاذ القرار الذي يناسبها هي لا ما يناسبهم، وتنتهي بتحصينها وحمايتها بواسطة حزمة من القوانين والأنظمة المفروضة من قبل الدولة والتي تعمل على حفظ حقوقها وحقوق أطفالها من طليقها. تلك القوانين التي رأى بعضها النور مؤخراً كقانون تمكين المرأة الحاضنة من إنهاء جميع ما يخص المحضون من إجراءات لدى جميع الدوائر الحكومية والخاصة وقانون التنفيذ الذي ساعد في تمكين المرأة، حيث يحق لها المطالبة بالشروع بتنفيذ إجراءات صك الطلاق أو النفقة خلال فترة زمنية محددة، والأمل ما زال معقوداً على استصدار مدونة للأحوال الشخصية والتي تدون فيها جميع القوانين والمعلومات التي تخص التقاضي وتسهل عمل القاضي.
إن منح الاستقلالية الاجتماعية للمرأة لها دور محوري في تمكينها، فهي محرك جوهري لأن تلك الاستقلالية ستعمل على دعم ثقتها بنفسها وتمكينها من أجل اتخاذ قراراتها الشخصية وبإرادتها، وبالتالي الانعتاق من عنق الزجاجة الذي وضعنا أنفسنا داخله وباختيارنا الطوعي.