عروبة المنيف
يمر مجتمعنا بحالة من المخاض المتعسر، فالمتغيرات السياسية المتقلبة بشكل يومي بدءاً من الحرب على الإرهاب في الداخل ومواجهة الخلايا الإرهابية التي تؤرق السلطات وتهدد الأمن القومي، إلى الحرب في اليمن وتهديدات الحوثيين في الجنوب وداعش في الشمال، بالإضافة إلى تداعيات الحرب السورية والتدخلات الأجنبية في المنطقة العربية، والآلة العسكرية والإعلامية الخطيرة التي تستخدمها إيران ضدنا،
وتبع ذلك أيضاً المتغيرات الاقتصادية التي تتأثر بشكل كبير بالمعطيات السياسية، حيث الانخفاض الكبير في أسعار البترول ومدى مساهمته أيضاً في الاستقرار الاقتصادي والمعيشي بوجه عام.
في زخم تلك المتغيرات، سواء الاقتصادية أو السياسية يتحرك المخاض الاجتماعي في ظل الثورة الاتصالية والمعلوماتية والإعلامية الهائلة معلناً عن تبدلات وتطورات في السلوكيات الاجتماعية غير متوقعة ومألوفة من مجتمع محافظ.
لقد ضجت وسائل التواصل الاجتماعي مؤخراً بحادثة «تحرش الزوج بالخادمة» من خلال مقطع للفيديو تم نشره حيث يظهر الزوج وهو يتحرش بالخادمة وتظهر الخادمة الأخرى وهي غير مستنكرة الوضع ويبدو الأمر مألوفاً بالنسبة لها ولربما يتحرش بها هي أيضاً!.
تعليقات واستنكارات عديدة لاقاها ذلك المقطع؛ سواء كانت تدين أو لا تدين الحدث، ولاسيما أن الزوجة نشرت على حسابها في تويتر واعترفت بأنها هي من قام بالتصوير معللة تسريب ذلك المقطع من أجل التشهير به انتقاماً منه على خيانته لها!.
تلك القضية الاجتماعية المتداولة لديها عدة أبعاد؛ البعد الأول يتعلق بعملية تداول المقطع بين العامة، وهو ما يؤكد أن المخاض الذي يمر به مجتمعنا عسير ، فالسرعة التي انتشر فيها المقطع المسرب يشكك في القيم المجتمعية التي تدعو للستر وعدم كشف عيوب الناس وعوراتهم.! وكأنما الجميع يريد الاقتصاص من ذلك الزوج الخائن عن طريق التشهير به.
البعد الثاني وهو قضية الخادمات في البيوت وسوء معاملتهن إلى درجة التحرش بهن، ومن الممكن أن تكون الخادمة غير راضية عن ذلك التصرف المقيت ولكنها تنازلت من أجل «لقمة العيش»، مع أن ذلك لا يبرر لها إطلاقاً تصرفها فهي شريكة معه في «الجرم» لأن أمامها الشرطة وسفارة بلدها تلجأ إليهما لإنصافها، فالتحرش امتهان لها ولكرامتها ولوجودها.
البعد الثالث، رد الفعل المباشر والسريع من الزوجة في نشر المقطع «إذا ثبت قضائياً أنها هي من قامت بذلك» تشفياً بالزوج رداً على خيانته لها، فهي في هذه الحالة تكون قد عالجت الخطأ بخطأ أفدح منه بتورطها أولاً في قضية تشهير والتي تتضمن عقوبة لا تزيد عن سنة ودفع غرامة نصف مليون ريال، وبالإضرار بسمعة العائلة وسمعة أولادها، فتكون هي أول المتضررين، وسيلومها أولادها على ذلك التصرف فسمعة والدهم من سمعتهم، ما سيترك جرحاً غائراً بينها وبينهم من الصعب أن يندمل.
البعد الرابع يتعلق بكيفية إدارتنا للمواقف التي نمر بها والتي تتطلب الصبر والحكمة وحساب العواقب المترتبة على ردود أفعالنا.
من المؤكد أن الزوجة كانت في حالة من الغضب الشديد جعلها تتسرع في التصرف والرغبة في الانتقام فقامت بعملية النشر، على الرغم من أنها تعيش قي دولة تحتكم للقانون وسوف ينصفونها، وإن كان لديها شك في ذلك بحجة أن «المجتمع ذكوري» ولن يقف معي، يتطلب ذلك منها وقفه شجاعة في إعادة حساباتها في استمرارية العيش مع زوج خائن يفتقر لأبسط الأبجديات الأخلاقية لن يردعه تسريب مقطع فيديو سوف ينساه الناس بعد فترة وسيستمر في خياناته وإنحطاطه الأخلاقي، ولربما تكون شجاعتها ومواجهتها له أيضاً سبباً في هدايته وعودته إلى رشده.
كلمة أخيرة؛ ما انكسر من شيء سيكون من الصعب لصقه وترميمه ليعود إلى وضعه السابق من تألق وجمال، فكلما نظرت إلى ذلك الشيء يتجه بصرك مباشرة إلى ذلك الكسر الذي يشوه جماله ورونقه وبريقه ليترك في حلقك غصة يصعب تجرعها.