عروبة المنيف
تسيطر علينا مشاعر الخوف والريبة من ذلك المحيط المجنون الذي يغلفنا فلا ندري أين المفر من ذلك التوحش الذي يهدد الإنسانية والذي يجعلها مستنكرة وكأن لسان حالها يقول «أنا منكم براء».
توحش داعشي وآخر قاعدي وثالث حزب شيطاني ورابع حوثي وإيراني وسوري وو..حدث ولا حرج في ظل تخبط
عالمي وكأن محيطنا العربي يواجه ملك الموت «عزرائيل» محاولاً التملص منه بمنطق «يا قاتل يا مقتول».
عاصفة من مقاطع الفيديو تهوي يومياً بين أيدينا ولكن ما يدمي له القلب تلك المقاطع الأليمة التي تعصف بقلبك ووجدانك فتتراءى لك وكأنها محتقنة بكمية من الجهل والعنف والتوحش ما يستنكره الحس الإنساني السليم.
أحد تلك المقاطع الذي توقفت عنده طويلاً ولم أستطع تجاهله لأدعه يمر مرور الكرام دون أن أفرغ نوبات الحزن والألم التي انتابتني وأنا أطالعه، إنه فيديو حادثة مقتل «فرخنده»، المرأة الأفغانية التي اغتيلت وبوحشية في شهر مارس الماضي على يد مجموعة من الرجال «الوحوش» بالقرب من ضريح في كابول بعد اتهامها «زوراً» بحرق نسخة من القرآن الكريم!. إنه مشهد تقشعر منه الأبدان لوحشيته ومقدار الجهل والتخلف والغوغائية التي تعلن حضورها وتفوقها في ذلك المقطع، لقد ضربت «فرخنده» حتى الموت ورجمت بالطوب قبل أن تدهس جثتها سيارة وتسحل بالشوارع ثم تحرق!.
الذهول والحيرة والمشاعر المختلطة المتضاربة التي تنتابك متأملاً مقدار العنف والكره والحقد الذي يسري في دم هؤلاء، وكيف تم إنتاج تلك المخلوقات الغريبة عن الإنسانية، هل رضع أولئك البشر من صدور أمهاتهم أم من حليب وحوش ضارية؟، لقد بدأت أرتاب في نزاهة شركات حليب الأطفال ومدى سلامة الحليب البقري المجفف الذي تروج له، وأدعو للرجوع إلى صدور الأمهات، فلربما يكون ذلك الحليب ملوثاً بهرمونات محفزة لسلوكيات العنف والقتل. فلا يمكن أن يكون ذلك التصرف الصادر عن تلك الثلة الغوغائية تصرفاً إنسانياً لأن الإنسان في الأصل «طاقة نظيفة» فهو مجبول على الحب والرحمة والعطف والمسامحة، ولكن من اختار أن ينحرف عن الصراط المستقيم سالكاً طريقاً وعراً مملوءاً بأشواك الحقد والبغض والعنف، لن يجني سوى الجهل الذي لا يروقه سوى سلوك القطيع الوحشي، لقد تدافعوا لرجم تلك المرأة المسكينة بدون سؤال ولا حجة ولا منطق يثبت قيامها بهذا الفعل الشنيع «حرق المصحف» حسب ادعاءات أحدهم. لم يشفع لها حجابها ولا نقابها وكونها في بلد إسلامي متشدد يستحيل فيه أن يقوم إنسان أو إنسانة يتمتعون بكامل قواهم العقلية بذلك التصرف الانتحاري، ولو صدر ذلك التصرف فعلاً فهم مرفوع عنهم القلم أصلاً.
الغوغائية تكاد تكون ملازمة للجهل فهو يقودها معه أينما حل وتسير هي وراءه كالمعتوهة، إنها ساعده الأيمن فهو لا يستطيع التمادي في جهله بدون اصطحابها معه لأنها هي أداته للتوحش والقتل والتدمير ولنشر الكراهية والحقد، لأنها تفتقر لأبسط مقومات التفكير العقلاني السليم.
الجهل والغوغائية يسيران في مركب واحد في بحر متلاطم من الأمواج يرتفعان ويهويان، لا يهم أين يحل بهما هذا المركب فهم يتبعون أهواءهم وعواطفهم وانفعالاتهم غير المحسوبة، وللأسف تعج منطقتنا بهؤلاء الغوغائيين فهم حطب لتلك النار التي أشعلها الجهلة أصحاب السلطة لتحقيق مآربهم الخاصة، فلا يعون ما يفعلون ويصبح الغوغائيون مجرد أداة بأيديهم ليقع في النهاية الوبال على الجميع.
لقد نزل في الكتاب الحكيم وصفاً بليغاً لهؤلاء، قال تعالى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ} (6) سورة الحجرات. يخاطب المولى جل وعلا هؤلاء الذين من المفترض أن الإيمان يملأ قلوبهم ويأمرهم بوجوب التبين من الحقائق لأن عكس التبين هو الجهل والجهالة، والتي ستكون عاقبتها وخيمة على الجميع. تلك الجهالة جعلت من شرقنا عاليه أسفله مولده مصنعاً مفرخاً لأولئك الغوغائيين الوحشيين المارقين.