إبراهيم عبدالله العمار
«يا أخي .. ضايق صدري».
ليست عبارة نادرة، بل تكثر على الألسن في هذا الزمن. ولم لا؟، عصرنا رغم أنه تميز بالتقدم التقني وتطور الطب وتحسن الصحة الجسدية، إلا أنه مصبوغ بصبغة سوداء لم تكن منتشرة في الماضي كما اليوم: سوء الصحة النفسية. أو بعبارة أخرى: ضيقة الصدر. ترى ثرياً يملك كل شيء لكن صدره ضائق. ترى شاباً صحيحاً لا مشاكل لديه فيما يظهر لكن صدره ضائق. ترين فتاة جميلة يحسدها الناس على ما لديها من حُسن ومال لكن الصدر ضائق.
لماذا انتشرت ضيقة الصدر؟ الكل له أسباب، من أكبرها الضغوط. ضغوط الحياة، الإيجار، الدَّين، المستقبل، الماضي، العمل، العائلة، وهلم جرا. غير أن من سمات عصرنا أنه حتى الذين تخلو حياتهم من هذه المنغصات قد تضيق صدورهم ضيقاً شديداً لا يعرفون له سبباً. دول شمال أوروبا مثل ايسلندا والدنمارك وفنلندا والسويد، والتي دائماً تأتي على رأس «أسعد الشعوب في العالم»، هي نفسها من أعلى أمم العالم في الانتحار. أكثر دولة في العالم أكلاً لحبوب الاكتئاب هي ايسلندا، ثم الدنمارك.
لعل الخواء الروحي أكبر سبب، فلا شيء يملأ الحياة بالمعنى والقيمة مثل الإيمان .. ليس الإسلام فحسب بل الإيمان .. وبينهما فرق، والإيمان هو الدرجة المتقدمة التي تجعلك تحس برقابة الله لك، وتمنعك من قبائح الذنوب وإيذاء الغير ومساوئ الأمور. حتى الأديان الباطلة أفضل من الإلحاد واللادينية والتي تفتك بالأمم الأوروبية كثيراً، هذا وهم لديهم الأمن والرفاهية والحضارة والجمال والمال والطبيعة وكل شيء! لكن إذا خوت الروح.. هانت الحياة.
قد يكون السبب الفراغ من التحديات والإنجازات. إنّ الذي يولد في بيت أو مجتمع يعطيه كل شيء فهم فعلياً يحرمونه من كل شيء! إنهم يحرمونه سبباً للحياة، للاستمرار، للاستيقاظ كل يوم والخروج بابتسامة تنوي الإنجاز والعمل. لكن ضيقة الصدر لا تقتصر على أمم دون أمم، وإن كانت تكثر في البعض أكثر، ولا ينجو من ضيقة الصدر أحد، حتى الرسول صلى الله عليه وسلم! قال الله في القرآن: «ولقد نعلم أنك يضيق صدرك بما يقولون». لكن بدلاً من أن يضيق صدره لمالٍ فاته أو منصب، كان يضيق صدره للصراع من أجل الدعوة السامية، ولقد علم الله هذا وسَرّى عن نبيه، وما هذا إلا لشدة الضيقة على النفس. إن كان الصدر سيضيق لا محالة فعلى الأقل ليضِق على شيءٍ شريفٍ نبيل.
إنه جزء من حياة البشر، ضيقة الصدر، لا تترك أعظم الناس قدراً أو أكثرهم مالاً أو أجملهم وجهاً.
هل صدرك ضائق؟ صدقني .. لست وحدك.