إبراهيم عبدالله العمار
إنها سنة 1636م في أوروبا، وتحديداً في هولندا. الناس يترقبون أخبار السوق المالي. لكنه لم يكن سوق الأسهم.. لم يكن اهتمامهم منصباً على مؤشر داو جونز ولا على مؤشر نازداك.. ليس على أسهم الشركة الفلانية ولا الشركة العلانية.. لا على اكتتاب بنك ولا على أسعار البترول.. بل على شيء بسيط: الزهور!
زهرة التوليب الجميلة بألوانها الزاهية المبهجة من المناظر المألوفة اليوم في هولندا، ولها تاريخ عريق، ففي تلك الفترة كان أكثر الهولنديين يمتهن الزراعة، وتعلّموا حب هذه الزهرة اللطيفة، ونما هذا من مجرد إعجابٍ هادئ إلى عشقٍ ساخن، فصار الطلب عليها أكثر من العرض، وتعب المزارعون وهم يحاولون زرع أكبر قدرٍ ممكن منها ليفوا بطلب الناس لها، خاصة وأن هولندا قد خرجت من ظروفٍ مالية جعلت الشعب الهولندي يملك الكثير من المال الزائد والذي أرادو صرفه في أشياء غير الضروريات اليومية، فكانت زهرة التوليب هي هدف هذه الرغبة الجديدة، وانتقلت تجارة التوليب من المزارعين إلى كل شخصٍ قادر، فأقبل البناؤون والمحامون والحدادون بل حتى القساوسة وبدأو يشترون ويبيعون هذه السلعة التي صار لا يشبع منها الناس!
في بعض الأحيان وصلت قيمة الزهرة المعشوقة إلى 3000 جلدر وهي الوحدة النقدية المعدنية آنذاك، ولترى مقدار هذا فلتعرف أن هذا المبلغ كان يكفي لشراء كل الأشياء التالية مجتمعة: 4 براميل من الجعة، 2 طن من الزبدة، نصف طن جبن، كأس فضي، سرير، 5 أطنان من الخبز، 24 طن من القمح، 12 شاة، 4 ثيران، بل وسفينة كاملة! سرعان ما تسارعت الأسعار مع هذا الطلب الرهيب، حتى صارت أحياناً تتضاعف في غضون أسبوع، ووصلت لدرجات غير معقولة، مثل في نهاية هذه الصرعة حيث وصل سعر النوع النادر من التوليب إلى مئة ألف دولار بعملة اليوم!
وكما أن الأمور التي تنفجر بسرعة تخمد بسرعة، هذا ما حصل مع سوق التوليب، ففي أول عام 1637م انهار السوق فجأة، وذعر المضاربون، وما هو إلا قليل حتى انهارت قيمة زهرة التوليب إلى 1% من سعرها، وأحياناً حتى أقل من ذلك! طبعاً فقد الكثير من الناس أرباحهم وأموالهم وبعضهم سقط على بساط الفقر، وهكذا بنفس السرعة التي بدأت بها.. اختفت صرعة التوليب في طرفة عين!