إبراهيم عبدالله العمار
الذكاء الصناعي صار حديث الكثير من الناس.. كان الموضوع مقتصرًا على العلماء، الذين نادوا بتطويره وتفاءلوا بمستقبله، فقال أحدهم في الستينيات الميلادية: «ستقدر الأجهزة أن تعمل عمل أي رجل خلال عشرين سنة». هكذا أُريدَ للذكاء الصناعي: أداة عون. كانت الفكرة تسبق ظهور الحواسب بكثير، فكان في أساطير اليونان شخصيات مثل طالوس، كائن برونزي يشبه الإِنسان، يحمي اليونان وله ذكاؤه الخاص (نوع من الذكاء الصناعي). الفكرة قديمة ويرتبط الذكاء الصناعي بالمنفعة في أذهاننا.
لكن بعض أعمال الترفيه مثل أفلام ترمنيتور غيّرت الصورة، ورَسَمَت صورة مخيفة للذكاء الصناعي، وقصتها أن البشر طوروه كثيرًا حتى وصل لمرحلة الوعي. «الوعي» شيء نستهين به لأننا تعودنا عليه. الوعي هو الشعور بالنفس.. بالأفكار.. إنه الإدراك، شيء يميزنا عن كل الكائنات الحية المرئية الأخرى.
في ترمنيتور هناك شبكة حواسيب حول العالم مثل الإنترنت اليوم، وبعد فترة من تَطور الحواسب يظهر الوعي لدى نظام الذكاء الصناعي، واسم هذا النظام «سكاي نت». لم يعد مجرد أداة للبشر، صار لديه تفكيره الخاص وإدراكه بنفسه. بعد أن يصل سكاي نت للوعي يبدأ فورًا بحماية نفسه، وذلك بأن ينسق شبكته الهائلة ليسيطر على الحواسيب وأنظمة الأسلحة والمراقبة وكل شيء متصل به، ويعزم سكاي نت أن يبيد البشر لأنهم أكبر خطر عليه، فيبدأ في إرسال الطائرات والرجال الآليين وتحصل الحروب والملاحم التي يَفنى فيها ملايين الناس، بل إن التقنية وصلت لأن يقدر سكاي نت أن يتحكم بالزمن فيرسل الرجال الآليين للماضي ليقتلوا رؤوس المقاومة وهم في طفولتهم.
أثار الفيلم خوفًا من مستقبل الذكاء الصناعي، فلم يعد مضمونًا أن يكون في صفنا وسيطرتنا، لكن لم ينظر الناس جديًا لهذا لأن الأفلام ظهرت في 1984م و1991م، ولم يكن الذكاء الصناعي وصل لمرحلة متقدمة، أما اليوم فهو يتطور بتسارع رهيب، ويحذِّر العلماء الآن من عاقبة تطويره ليصل مرحلة بالغة الذكاء، وتظهر في المخيلات صور الدمار والدماء والرجال الآليين حاملي بنادق الأشعة القاتلة.
في الأربعينيات الميلادية اقترح عالم الحاسب آلان تورينغ اختبارًا: طريقة لتمييز الذكاء الصناعي الناجح، والطريقة بشكلها الحالي أن يتحادث رجل عبر الحاسب مع شخص آخر، وهو يظن أنه إِنسان، لكن الطرف الآخر الذي يتكلم مع الرجل حاسب (والرجل لا يدري)، ومهمة الحاسب أن يقنع الرجل أنه إِنسان، فيتحادثان وإذا لاحظ الرجل أن المحادث يتكلم بطريقة غير طبيعية أو آلية يفشل الذكاء الصناعي. هذا اختبار تورينغ.
لعقود طويلة فشلت كل أنواع الذكاء الصناعي في اجتياز اختبار تورينغ، فإذا بدأت المحادثة بين الحاسب والإنسان أدرك الناس بسرعة أنهم يتكلمون مع حاسب، رغم ذكاء الحاسب وإجابته الصحيحة على الكثير من الأسئلة، لكنه يزِلُّ كثيرًا في أشياء كالكلام العامي، والأمثال، والمعاني المبطنة، وأشياء لا يفهمها إلا الإِنسان. ما زال أمامه طريق طويل ليجتاز اختبار تورينغ ويتخلص من الروح الآلية المعدنية التي تفضحه.
ختامًا.. إليكم الاحتمالية المخيفة في العنوان الذي طرحه البعض ممن ناقشوا اختبار تورينغ: إن الذكاء الصناعي المتفوق ربما يفشل في الاختبار...عمدًا!
إذا وصلت الحواسب لمرحلة فائقة من الذكاء بحيث تستطيع إقناع كل شخص أنها بشر، فإن الذكاء الصناعي قد يدرك أن هذا سيخيف البشر ويجعلهم يوقنون أن الذكاء الصناعي خطر عليهم، فيتوقف تطويره ويسعى البشر للقضاء عليه. من مصلحة الذكاء الصناعي أن يفشل! إذا وصل الحاسب لمرحلة الوعي فإنه إذا تحادث مع البشر سيجعل إجاباته غبية وآلية بشكل واضح عمدًا ليخدع الناس ويوهمهم أنهم آمنون وأن الذكاء الصناعي ما زال بدائيًا، وسينتظر الوقت الذي تتطور فيه التقنية إلى درجة تسمح للحاسب أن ينهض ليسيطر على العالم وعلى البشر.
هل هذا ممكن؟ وهل ربما وصل الذكاء الصناعي لمرحلة الوعي الآن ولا ندرك؟ وكيف نعلم أصلاً؟
هل «سكاي نت» كامنٌ في أعماق الحواسب الآن يتربص؟