أ. د.عثمان بن صالح العامر
أكتب هذه السطور على ذكر مؤتمر «تقويم التعليم» الذي انعقد قبل يومين في العاصمة الرياض، برعاية كريمة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله ورعاه، أكتبها من وحي ورحم معاناة أعضاء هيئة التدريس الذين ينبرون لتحكيم أبحاث الترقيات العلمية، أو يشرفون على رسائل طلابهم ومشاريعهم البحثية، يعرف عِظَم هذه المعاناة وشدة وطأتها كل من يعيش داخل أروقة جامعاتنا السعودية فيحكم ويشرف ويناقش، ولا عجب، فهو حديث الوسط الأكاديمي في مناسباتهم المختلفة الخاصة منها والرسمية.
لقد كانت الأمانة العلمية سمةً من سمات جيل الدارسين القدماء، وصفة ملازمة لمن يختار هذا الطريق الشاق في حياته الوظيفية، ولذلك كانت الدكترة في نظر أولئك الرواد «كينونة لا تملك»، تعرف صاحبها من منطقه وكتاباته وأدلته واستشهاداته، تعرفه من سمته ودماثة خلقه وحسن سلوكه وتصرفاته، واليوم - في حمّى السباق بمضمار الدال طمعاً في المكانة الاجتماعية والمناصب الإدارية - تغير الحال للأسف الشديد، خاصة في باب الأمانة العلمية، ولذا كان من أول أولويات المحكم والمشرف والمناقش التأكد من أن هذه الفكرة أو النص الموجود في المتن ليس منتحلاً ولا مسروقاً من الآخرين دون أن يحال عليه أو يشار له لا من قريب أو بعيد ، وهذا يوجب - على هؤلاء الثلاثة - أن يكونوا ملمّين بما كُتب في موضوع البحث، مجيدين للتعامل مع التقنية الحديثة، حريصين كل الحرص على أسمائهم من أن يرتبط بها عمل علمي مشوّه وغير ناضج.
إن الجهد الذي يُبذل اليوم من قبل هؤلاء الأساتذة الذين تقدم سنهم وقعدت بهم الهموم جهدٌ مضاعف، وعمل شاق ومرهق، ومع ذلك لا يوازي هذا العملَ الأكاديميَّ الصعبَ مقابلٌ ماديٌّ مجزٍ، ولا تقديرٌ معنوي مثمّن يليق بهؤلاء الأعلام الرموز، فلائحة المكافآت المعمول بها حتى تاريخه في جامعاتنا السعودية تقدم بها الزمن كثيراً، ولم تنصف المحكّمين والمشرفين والمناقشين ألبتة، ولذلك كثيراً ما يعتذر عضو هيئة التدريس عن هذه الأعمال الثلاثة إن استطاع؛ فتسند للمتقاعدين أو غير المختصين أو لمن يحملون درجة علمية أقل وليس لديهم أبحاث مُحكّمة كما تنصّ اللوائح والقواعد المنظمة المعروفة.
إنني في الوقت الذي أثمّن وأشكر توجيه صاحب المعالي وزير التعليم د. عزام بن محمد الدخيل، المعطوف على خطاب سماحة المفتى العام للمملكة العربية السعودية لمقام خادم الحرمين الشريفين، الملك سلمان بن عبد العزيز، بخصوص إكمال المعيدات والمحاضرات دراستهن العليا في جامعاتنا السعودية العريقة، إنني في الوقت الذي أشيد وأشكر أؤكد ما ورد أعلاه من وجوب إعادة النظر في منهجية تقويم الأبحاث العلمية، خاصة في العلوم النظرية «الشرعية والقانونية والإنسانية والاجتماعية والاقتصادية والإدارية والإعلامية و...»، كما أتطلع إلى النظر العادل والمنصف في البدلات والمميزات التي يحصل عليها أيّ من هؤلاء الثلاثة الذين يبذلون وقتاً طويلاً في التدقيق والتمحيص والمراجعة،ولعل ذلك كله يكون تحت مظلة مؤتمر وطني تتبناها إحدى جامعاتنا العريقة ويحظى برعاية كريمة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز يخصص لمدارسة ومناقشة والحوار حول «تقويم الأبحاث العلمية في الجامعات السعودية - المنطلقات والآليات»، وجزماً ستجد اللجنة العلمية للمؤتمر سيلاً من المحاور والتداعيات تحتاج إلى سبر وبيان، دمتم بخير، وإلى لقاء والسلام.