أ. د.عثمان بن صالح العامر
تشرف أسرة التعليم برعاية كريمة من لدن مقام خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز لمؤتمرهم التقويمي الأول «تقويم التعليم، مدخل لجودة التعليم وتطويره» الذي تنظمه هيئة تقويم التعليم غداً الأربعاء 22محرم 1437هـ في العاصمة الرياض:
* ولأننا إزاء قضية مجتمعية عامة تهم الجميع بلا استثناء.
* ولأنني أنتمي إلى أسرة التعليم لأكثر من ربع قرن.
* ولكوني أبًا ولي صغار في مدارس التعليم العام.
* ولإيماني بواجب النصيحة التي يفرضها ديني ويمليها عليّ انتمائي الوطني لهذه الأرض المباركة المملكة العربية السعودية.
* ولاطلاعي على تجارب عالمية وقراءتي الموسعة في هذا المنحى التقويمي المهم.
* ولما ألحظه في الميدان التربوي من تخبُّط وخلل وأخطاء تراكمية قاتلة خاصة في موضوع مؤتمر الغد.
لهذا وغيره فإنني أعتقد أن من واجبي - وإن لم أحضر هذا المؤتمر - أن أطرح رأيي ذا الصلة المباشرة بمستقبل التعليم في بلادي الغالية.
إننا في زمن صار الوصول للمعلومة سهلاً، والتواصل بين بني البشر واستفادة بعضهم من بعض ميسراً، ولذا من الواجب ألاّ تغيب عن أسرة التعليم هذه الحقيقية المجزوم والمقطوع بها، ومن ثم يتم التحول التلقائي من التعليم الذي يتكئ على التلقين ويلعب فيه المعلم الدور الأساس إلى التعلُّم الذي يقوم به الطلاب، ويرتبط فيه - بشكل كامل - التدريب بالتعليم؛ فيتحقق الجمع بين «الحصول على المعلومة الصحيحة + التربية الأخلاقية والتنمية السلوكية + بناء المهارات الذاتية وتعزيز العمل الجماعي المشترك»، ومن هذا الباب من الخطأ أن يبقى التقويم للمتعلم بيد المعلِّم فقط كما هو معمول به في مدارسنا وجامعاتنا حتى تاريخه.
إنني أتبنّى الدعوة وبقوة لإشراك المتعلم في تقييم وتقويم نفسه بنفسه، يربى على هذا السلوك النقدي للذات منذ مرحلة الصغر، ولتكن السنة الثالثة في المرحلة الابتدائية، ويستمر مشاركاً في تقويم نفسه حتى يتخرج في الجامعة.
لقد اطلعت شخصياً على التجربة الفنلندية في هذا، وكتبت مقالات عديدة في هذه الزاوية عن هذا النهج البنائي الرائع للشخصية السوية الصادقة مع نفسها قبل أن تولي وجهها شطر ما يقول الناس عني.
إنّ من القواصم لدينا :
* تبرئة الذات وتزكيتها، واتهام الآخرين في كل ما يحدث لنا، فأنا أو حتى نحن ضحية أخطاء الآخرين أو حسدهم أو مكرهم وتربصهم بي أو بنا سيان.
* عدم قدرتنا على اكتشاف عيوبنا، وتفنُّننا في نقد كل شيء غير ذواتنا، الأشخاص، الأنظمة، الحكومات ...
* الاهتمام المبالغ فيه بنظرة الناس لنا وخوفنا منهم أكثر من خوفنا من ربنا، وتضحيتنا براحتنا - وربما مستقبلنا وكسب لقمة عيشنا - خشية من الرقابة المجتمعية الجائرة.
* تعنُّت البعض من المعلمين، بل أعضاء هيئة التدريس في إطلاع طلابهم على أوراق إجابتهم، فضلاً عن إشراكهم في التقويم محل المطالبة، في الوقت الذي يخرج الطالب من مدرسته أو كليته وهو يمارس التقويم لمعلمه، ويتفنن في وصفه داخل أروقة المدرسة وفي استراحته، وهذا يعني أن كل طرف يقيم بعيداً عن الآخر، فيكون الإجحاف والبعد عن ميزان العدل.
إنّ هذه القواصم نتيجة طبيعية لغياب المشاركة الحقيقية للمتعلم في التقويم الدوري لنفسه طوال سنوات عمره الدراسية، تقويماً مؤسساً على أسس وركائز وقواعد تربوية وعلمية راسية راسخة لا على هوى ورغبة ومجاملات.
نحن في تعليمنا اليوم العام والعالي بحاجة إلى المصارحة والوضوح في هذا الموضوع الهام والخطير، بحاجة للتفكير خارج الصندوق حرصاً على إقامة ميزان العدل التربوي في مدارسنا وكلياتنا ومعاهدنا التعليمية، ومن هذا الباب وفي هذا المؤتمر الهام أتطلع وأتوق أن يصل صوتي واضحاً جلياً للمؤتمرين المنتمين للأسرة التعليمية، ولنستفد من التجربة الفنلندية الرائدة والرائعة في تقويم التعليم، والتي تشرك المتعلم وأسرته والمشرف الاجتماعي والمرشد النفسي ورائد الصف في التقويم الشهري من الصف الثالث الابتدائي «التعليم الإلزامي»، ولنعُد في كل هذا وغيره إلى نصوصنا الشرعية للتأصيل والمراجعة، فمنها نستقى الدليل والحجة والبرهان،، أتمنى التوفيق للأسرة التعليمية في هذا المؤتمر وما بعده، دمتم بخير، وتقبلوا صادق الود، وإلى لقاء والسلام.