المحامي/ كاتب الشمري ">
الليل والخيل والبيداء تعرفني
والسيف والرمح والقرطاس والقلم
لا زالت هذه الكلمات الرنانة التي أطلقها أبو الطيب المتنبي في بلاط سيف الدولة الحمداني في قصيدته الشهيرة (وا حر قلباه ممن قلبه شبم) ترن في آذاننا جميعاً، ويجد القارئ لها أو السامع حلاوة لها تجبر السامع لها في أول مرة أن يطلب سماعها، فهي الكلمات التي جمعت المتناقضات في قالب واحد، حتى صارت تلك المتناقضات في هذا البيت الشعري وكأنها تشكل كلاً متكاملاً لجانب من جوانب الشخصية العربية، ومع أنه البيت الذي كما يقال قتل صاحبه، والكلمات التي أودت بصاحبها إلى التهلكة، إلا أن المتنبي لو علم كيف تناقلها الناس لاستعجل في إلقائها، لما لها من حلاوة عند النطق بها أو عند سماعها.
لعل من أجمل ما سطرته تلك الكلمات أنها ربطت بكل مباشر أو غير مباشر تاريخ العرب بحاضرها، وربطت ثقافة العربي القديم بالعربي الحديث، الذي وإن اختلفت مفاهيمهم بفعل التغيرات التي تحدث من وقت لآخر، إلا أن حب الخيل وحب الفروسية هي السمة المشتركة التي جمعت العرب قديمها وحديثها، ولعلنا لا نبالغ حينما نقول إن حب الخيل والاعتناء بها أمر يعد شرفاً يتشرف به العربي القديم والحديث، ويكفي الخيل مهابة وإجلالاً أن تذكر في آية من آيات القرآن الكريم بكونها من الأمور التي تعشقها النفوس، وتحبها القلوب فقد قال الله {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ}.
لم تكن كلمات المتنبي وحدها التي جاءت في الخيل، بل سبقه الكثير ولحقه الكثير من شعراء العرب الذين وصفوا الخيل، وعشقوها في اشعارهم، ولكن لا وصف يضاهي ذلك الوصف القرآني في الخيل حينما جاءت سورة تحمل اسماً من أسماء الخيل وهي السورة التي قال الله في بدايتها {وَالْعَادِيَاتِ ضَبْحًا فَالْمُورِيَاتِ قَدْحًا فَالْمُغِيرَاتِ صُبْحًا فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعًا فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعًا}.
وفي هذا السياق وبمناسبة الحديث عن الخيول التي تأتي الفروسية مرادفة لها، فأينما وجد اسم الخيل وجد اسم الفروسية، كان من فضل الله على هذه البلاد أن جعل الله فتحها وتأسيسها يأتي بعد فضل الله تعالى بفضل هذه الخيول التي كان الملك المؤسس/ عبدالعزيز بن عبدالرحمن آل سعود طيب الله ثراه يفتح بها البلاد والمناطق، حتى استطاع بفضل الله أن يوحد المملكة العربية السعودية ويجمعها على منهج واحد أعلنه صراحة أمام العالم بأسره وهو منهج التوحيد الذي لا يعرف رباً سوى الله ولا نبياً سوى محمد صلى الله عليه وسلم.
لقد أدرك ولاة الأمر قديماً وحديثاً قدر الخيول وعظمتها، وأدركوا المعاني التي تحملها تربية الخيول والاهتمام بها، فكان من أولى الأولويات التي قاموا بها أن أنشأوا نادي الفروسية الذي احتضن أنشطة الفروسية، وجمع ملاك الخيول في مكان واحد، ليتنافس الجميع في تربية الخيول، ويتنافس الفرسان في مسابقاتها، ويتنافس ساسة الخيول في تربيتها، لأنها الأفضل فهي لا تستحق إلا الأفضل، (والخيل معقود في نواصيها الخير إلى يوم القيامة).
لقد أسس نادي الفروسية ليكون محط رعاية واهتمام ولاة الأمر رحم الله من مات منهم، وحفظ الله من لازال منهم على قيد الحياة، فاهتم به الملوك من هذه الأسرة المباركة واحداً بعد آخر، وجيلاً بعد جيل، ليبرهنوا للعالم أجمع أنه وإن كثرت وسائل المواصلات، وتعددت وتسهلت وكانت أسرع، إلا علاقتنا معشر العرب بالخيل معنوية أكثر من كونها حسية، وعلاقتنا بالخيل علاقة روحية نابعة من القلوب، راسخة في النفوس فهي وإن كانت لا تستخدم في السفر حالياً، إلا أنها تشكل وجها من أوجه الجمال الذي أبدع الخلاق صنعه.
وكان من الأشياء التي ساهمت في تعزيز الفروسية في المملكة بشكل عام، ونادي الفروسية بشكل خاص هو صدور ذلك القرار التاريخي الحكيم الذي تم بموجبه تعيين الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز رئيساً لنادي الفروسية، فيما احتفظ بالرئاسة الفخرية للنادي مقام سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، الأمر الذي يدل على اهتمام ولاة الأمر بالخيل والفروسية بشكل عام.
وحينما نتحدث عن سمو الأمير متعب بن عبدالله بن عبدالعزيز فهو ذلك الفارس الذي عرف الخيل وتشرب حبها عن أبيه خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز رحمه الله، فهو الفارس الذي أتى من ظهر فارس، ليعلم الجميع أن هذه الأسرة تتوارث الأمجاد أباً عن جد.
ولعل من الحكمة بمكان أن أشير في نهاية هذا المقال إلى صدور مجلة السباق التي يصدرها النادي والتي تثير جميع القضايا المتعلقة بالخيول والفروسية، وتفتح المجالات الواسعة أمام الجميع ليعرفوا قدر وعظم هذا التراث العزيز والغالي على قلوبنا جميعاً، فمن لا يحب الخيل ولا يهتم به (ففي عروبته شك) وقد خرجت بثوبها الجديد، وإطلالتها القشيبة التي توحي لنا أن رعاية الخيل، لا يقتصر على الخيول نفسها، بل يمتد إلى كل ما يرتبط بها.
عينان تبدو كمثل الدر لامعة
كأن شمساً تنير البدو والحضرا
إن شئت كحلاً ففي أهدابها سكنت
نبع الكحول أو شئت قل قمراً
- المستشار القانوني لنادي الفروسية