د. عبدالواحد الحميد
هل فقد «الراديو» بريقه وجاذبيته في زمن إذاعات الـ«إف. إم»؟ هذا ما يشعر به كثيرون ممن أعرف، وأكثرهم من أبناء جيلي؛ ولكن ربما أنه صراع الأجيال واختلاف الأذواق في الأزمنة المختلفة. فإذاعات الـ«إف. إم» المتنافسة التي تلاحق المستمع، عبر جهاز راديو الترانسستور الصغير أو من راديو السيارة في الليل وفي النهار كلما أدار المؤشر، بحثاً عن برنامج يملك حداً أدنى من الجدية أو حتى التسلية التي تحترم عقله، قد لا يجد إلاّ القليل منها في هذا الطوفان الإذاعي العارم!
من المؤكد أنّ لهذه الإذاعات جمهوراً يستهويه طرحها، ومن المؤكد أنّ هذه الإذاعات متفاوتة في مستوياتها، لكن اللافت أنّ مقدمي البرامج في بعض هذه الإذاعات - ولا أقول كلها - ربما يفتقرون إلى الحساسية المطلوبة في مجتمع مثل مجتمعنا، حين يستهويهم تقليد أسلوب مذيعي محطات الـ«إف. إم» الأجنبية التي تعكس ثقافات تختلف جذرياً عن ثقافة مجتمعنا.
ومنذ أيام، استدعت هيئة الإعلام المرئي والمسموع أحد المذيعين، لتجاوزه الآداب العامة أثناء تقديمه برنامج إذاعي على الهواء، للتحقيق معه واتخاذ الإجراءات اللازمة وفق النظام. لا أعرف ماذا قال المذيع، ولكني افترض أنّ هيئة الإعلام المرئي والمسموع ربما وجدت بالفعل في ما قدمه ما لا يليق، وهو ما سبق أن لاحظته ولاحظه غيري في برامج أخرى تبثها بعض إذاعات الـ«إف. إم».
إنّ هذا هو دور هيئة الإعلام المرئي والمسموع، فهي مسؤولة عن حماية الذّوق العام وحماية حقوق المجتمع بأفراده وهيئاته. وهذه ليست دعوة لتكميم الأفواه أو فرض ذوق معين ومصادرة ما يتسيغه آخرون طالما أنه لا ينطوي على تجاوزات.
أشتاق إلى الإذاعات التي تقدم برامج رصينة وبرامج تسلية لا تستخف بعقول المستمعين، وأشعر أنها تاهت وسط الزحمة والهرج والمرج الذي تثيره إذاعات الـ»إف. إم»، بدعاياتها الصاخبة والمزاح الشخصي العلني المتبادل بين مقدمي البرامج، ولكني أدرك أنني ربما أكون منحازاً وغير محايد، ولا أستبعد أن يتهمني بعض الشباب بأنني أريد العودة بهم إلى إذاعات «زمن الطيبين»، وفق المصطلح الرائج هذه الأيام في مواقع التواصل الاجتماعي.