د. عبدالواحد الحميد
هذا الشعار الذي أطلقه طلاب جامعة الملك فيصل بالأحساء حريٌ بأن يكون شعاراً يرفعه الجميع، وألا يكون مجرد شعار نردده دون وعي بمعناه العميق ثم ننسى هذا المعنى عند أول موقف يتطلب منا الوطنية والسمو فوق انتماءاتنا الأصغر.
أفهم هذا الشعار على أنه يعني نبذ التعصب المناطقي والطائفي والقبلي عندما يتعلق الأمر بالمصالح العليا للوطن. هذا التعصب الذي دفع طبيباً نفسيا سعوديا مشهورا إلى التشكيك في وطنية أبناء بعض مناطق المملكة من غير منطقته وذلك من المنظور المناطقي الضيق الذي يعاني منه هو فرمى به الآخرين عندما جعل ما في عقله الباطن يتدفق من لسانه المثلوم في حديث تلفزيوني قميء. وها نحن نرى أن الذين يذودون عن حياض الوطن ويستشهدون في الحرب على امتداد الحدود الجنوبية لبلادنا هم من أبناء جميع مناطق المملكة.
أفهم هذا الشعار على أنه يعني أن أبناء الوطن سواسية عندما يتعلق الأمر بحب الوطن والانتماء له والاستماتة في الدفاع عنه. فليس مطلوباً من أحد ولا متوقعاً منه أن يشطب من ذاكرته المنطقة التي ينتمي إليها ويحبها ويتعلق بها لكن المطلوب والمتوقع أن لا يتناقض ذلك مع انتمائه الأكبر لوطنه، وفي هذه الحالة فإن انتماء الوطن لمنطقته التي هي جزء من الوطن يعزز الانتماء الوطني الأشمل ولا يتناقض معه.
عندما يكون الوطن أولاً، فهذا يعني تذويب كل الانتماءات الأخرى في بوتقة الوطن وليس بالضرورة إلغاءها. وتتجلى أهمية هذا الشعار الذي نتمنى أن يكون برنامجاً عملياً لكل مواطن وليس مجرد شعار هو أنه يحمي الوطن من المتربصين به الذين يريدون أن ينالوا من اللحمة الوطنية من خلال النفاذ من أي ثغرات قد تبدو على نسيجنا الاجتماعي.
لقد عانت جميع مجتمعات الدنيا من التعصب بمختلف أشكاله عبر التاريخ ودفعت أثماناً باهظة تمثَّلت في الحروب الأهلية العبثية التي حصدت أرواح الملايين ودمرت المكتسبات الوطنية وأورثت الحقد في النفوس. وفي النهاية عرفت البشرية من تجاربها المريرة أن التعصب بين أبناء البلد الواحد تجاه بعضهم البعض لا يأتي بخير مهما بدت أسبابه مقنعة في لحظة من اللحظات أو في ظرف من الظروف لأن الجميع سوف يخسر ولن يخرج منه أحدُ منتصر وحتى لو فاز طرفٌ على طرف آخر فإن ذلك الفوز سيكون وقتياً لأن الطرف الآخر سوف يتحين الفرصة ليَنْقَضَّ على من يعتقد أنه غريمه بينما هو في الواقع شريكه في الوطن وفي المصير المشترك!
نحن بحاجة إلى تفعيل شعار «عفواً.. وطني أولاً» في كل حين، لكننا الآن وفي الظروف التي تمر بها بلادنا بحاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تفعيله وإلى استحضاره. وشكراً لطلاب قسم الاتصال والإعلام بكلية الآداب بجامعة الملك فيصل في الأحساء.