د. محمد بن عويض الفايدي
الحفاظ على منجزات التنمية والأمن الوطني من أبرز التحديات التي تواجه الدول المتقدمة والنامية على حد سواء،
و يُعد الإعلام والإعلام الجديد متغيرًا جوهريًا في نقل الأخبار وتمرير المعلومات، وتوجيه الرأي العام، وتغيير الاتجاهات، وتحريك الجماهير، وفي هذا النسق تتشكل شبكات الإعلام في سلاح ذي حدين يُشبع الحاجات وينقل الأحداث من جانب ويمتهن التلاعب بالحقائق،
.. وتزييف الوقائع، وتحريف التصريحات، فضلاً عن بث الإشاعات، وتمرير الأجندات، وحشد الدعايات لأشخاص ومؤسسات، وإظهار المجرمين كأبطال والضحايا كمعتدين يشكلون خطرًا على الأمن والاستقرار من جانب آخر.
إذا كان الإعلام التقليدي يوجه ويحرك الشعوب ويقض مضاجع الحكومات في كافة دول العالم، فإن الاعلام الجديد يُعد أعمق خطراً وأكثر تحديًا، ذلك لأنه أكثر توظيفاً لمعطيات التقدم العلمي والتطور التقني وأسهل استخدامًا وأوسع انتشارًا. ولعل من أبرزها الواتس أب والفيس بوك والتويتر والانستقرام والسناب شات، والقادم أكثر تحديًا. وفي العالم النامي ومعترك الصراعات العسكرية والطائفية والعرقية وُظف في الشر أكثر منه في الخير في ظل تنامي المنظمات الإرهابية واستحواذها ـ من خلال عمليات التجنيد الميسر ـ على عناصر متخصصة في المجالات الإلكترونية تُكرس جسامة المخاطر السلبية لهذا الإعلام والآثار غير المحدودة الناجمة عن استخدام تقنياته ومجالاته المختلفة.
أفرز الاعلام الجديد تراكمات نفسية وأخرى سلوكية لأشخاص تأصلت لديهم بعض المفاهيم المغلوطة، والأفكار المتطرفة التي أدخلتهم في دائرة الانحراف والتطرف والإرهاب بنشاطاته ذات الصبغة العنيفة التي تخلف خسائر بشرية ومادية كبيرة، وأضرار فادحة على مستوى الدولة والمجتمع والأفراد.
استغلت التنظيمات المغرضة وفي مقدمتها تنظيم داعش الإرهابي تقنيات الاعلام والاعلام الجديد بمهارة وهندسة نفسية زادت عمق التراكمات السلبية على المستوى الفردي والمؤسسي.
التواصل والاتصال المباشر ومن خلال الاتصال الجمعي أضحى فضاء واسعا للتعليم والتعلم وإيصال الأفكار والبيانات والمعلومات والمهارات ونقل التجارب والخبرات الإيجابي والسلبي منها على حد السواء.
تراجعت الخصوصية كثيرًا أمام شبكات الاعلام متناهية الدقة والتعقيد في التواصل والاتصال والنقل والدبلاج، وأصبح بث سلوك وممارسات الأفراد مباشرًا وأنيًا على مستوى الحياة العامة والخاصة ضمن منظومات ومجموعات تسابق الصوت وتجوب الأفاق.
إتاحة الجوانب الشخصية في حياة الأفراد التي تعكس نمط المعيشة والسكن والمواصلات والترفيه والرحلات والأزياء والمناسبات، يُعرض جوانب هامة من نظام حياتهم للمخاطر والمهددات المباشرة كالجريمة وعصابات الإجرام وغير المباشرة كالعين والحسد والأمراض النفسية التي يتعرض لها الكثير من الناس في هذا الوقت، وقد يتعذر علاجها والتخلص من آثارها السلبية في ظل تزايد التحديات التي تواجه الأفراد والمجتمعات.
التنظيمات الإرهابية في توظيفها لشبكات الإعلام المختلفة انطلقت من استراتيجيات متعددة الأهداف من الاستقطاب والإقناع إلى التهيئة والإعداد والتجنيد والتدريب والتمويل والتجهيز والتجسير والتفخيخ والتفجير، ومن ثم الإمعان في القتل باساليب إجرامية موغلة في الاجرام والتشفي.
تتخطى التنظيمات الإرهابية التحصينات الوقائية بأساليب متعددة منها عدم فاعلية النظام الإلكتروني في كشف الأحزمة الناسفة عن بعد، وضعف أنظمة الحماية التقنية في الأماكن العامة، وإمكانية توجيه ضربة ارهابية الإلكترونية، والتفجير عن بعد بأجهزة الجوال التي قد تتحول هي نفسها إلى قنابل تفجر و تقتل وتدمر بطرق يسهم الإعلام في تكوينها بداية والترويج لها من حيث يعلم ولا يعلم، ومن ثم يُضخم حجم التدمير والضحايا والآثار الناجمة عنها. ولعل مخاطر الإرهاب غير التقليدي من إرهاب نووي وإرهاب بيولوجي وإرهاب كيميائي ستكون التحدي الأكبر والخطر الأعظم الذي سيجعل الاعلام مشاهده أكثر هلعًا وخوفًا ورعبًا في نفوس وأذهان الناس.
تستثمر تنظيمات الإرهاب تقنيات الاعلام بمهارة فائقة، وتُجري عليها بعض التعديلات الفنية التي تجعلها أكثر أداء وفاعلية وتأثيرًا في تمدد الإرهاب والدعاية له بصور بشعة يتم اجتزاؤها بعناية لبث الخوف بقصد أو من غير قصد، وإشاعة الذعر والهلع في نفوس الناس بما يزيد أعباء التصدي والمعالجة على الأجهزة المعنية.
تكاليف مخاطر الإشاعة تتعاظم مع عائد الإثارة لحجم التضليل الذي تسهدفة الاشاعات في ظل التوغل والانتشار الإعلامي المذهل الذي يعكس ضلاعة التقنية التي توظفها شبكات الاعلام والاعلام الجديد وتستثمرها المنظمات الإرهابية في تضخبم جرائم الإرهاب وتوسيع دائرة الرعب والخوف وتعميق اليأس من القدرة في السيطرة عليه وكبح جماحه المتصاعد والمتخطي للاحترازات والتنبؤات في ظل تواري استراتجيات المعالجة والمواجهة بين الاحتمالات الاجرامية للارهاب الدولي العابر للقارات وبين المتوقع من الإرهاب الداخلي المدفوع والموجه والممول اقليميًا ودوليًا.
رمزية الإرهابي في الإعلام تصوره في بطولية تتوشح الأسلحة القاتلة والفتاكة القاهرة للباطل المنتصرة للحق، وفي واقعها الاجرام المحض والقتل وانتهاك الحرمات وسفك الدماء المعصومة وتدمير الممتلكات وتبديد الأموال، في مزيد من المشاهد الرمزية التي يذكيها الاعلام ويعظم اثارها الاعلام الجديد ويفسح أمامها مجال التحليل والتأويل ويجعل من التعليقات عليها شبحا للموت أكثر تخويفا وتهويلًا.
اتساع محيط الخوف عبر شبكات الاعلام والاعلام الجديد في صورة إيحاءات تبث الوهن في النفوس باسانيد ورويات قد حصلت أو يحتمل حدوثها عند التوقف على الطرق اثناء السفر أو عند التزود بالوقود من المحطات أو عند الانتظار داخل السيارة أو الجلوس في فناء المنزل أو عند الخروج في بعض الأوقات ضمن سلسلة طويلة من اخطار تنتظر ظاهرها الرحمة وباطنها سياسات تخوف إرهابية داعشية تسوق لمزيد من الخوف والهلع والذعر والوهن لإشاعة الذل والخنوع والاستسلام وقتل الشجاعة والمروءة والإقدام في النفوس.
الترويج للهزيمة النفسية والمعنوية ضمن استراتيجيات تنظيمات الإرهاب الداعشية التي تروج لها تنظيمات الإرهاب، وتحشد لها الخطط والبرامج الموجهة وغير الموجهة، لتنطلق بها شبكات وتقنيات الاعلام المحمومة إلى الآفاق في تسابق عجيب يجيش كافة معطيات الاعلام لإدخلها في النفوس وتمريرها على العقول وترسيخها في القيم والمبادئ. ليصبح شبح الإرهاب مجهولا محل مطارة قد لا تنتهي أو تتوقف عند حد معين أو نقطة متوقعة.
تكاليف بث تقنيات وشبكات الاعلام والاعلام الجديد للخوف باهظة جدًا إذا ما تُركت تراكماتها السلبية تتنامى في نفوس الناس دونما تحرك فعال يبدد الخوف ويرسخ للأمن والأمان وينشر السلام والوئام باسترتيجيات إعلامية شاملة تأخذ بزمام المبادرة بداية. وتعمل على تفعيل ومراجعة وتطوير الاستراتيجية الإعلامية لدول مجلس التعاون لدول الخليج العربي، والاستراتيجية الإعلامية للمرأة العربية، والاستراتيجية الإعلامية العربية لمكافحة الإرهاب لتعزيز فرص الوقاية والتوعية والحماية في المنطقة الخليجية والعربية التي يستهدفها الاعلام والإرهاب ويوسع دائرة الصراعات بها.
يفرض التحدي القائم المتمثل في إعلام جديد إرهابا جديدا ضرورة إعادة تنظيم الجهود الوطنية الإعلامية غير المنسقة، والتحول إلى بناء استراتيجية اعلامية وطنية شاملة ومتكاملة توظف وتوجه الاعلام والاعلام الجديد وتنسق الجهود الإعلامية الوطنية، وتعمل على بناء فرق عمل اعلامية تنشر الوعي وتتبنى تنفيذ برامج التوعية بمهنية إعلامية تقي مخاطر إرهاب الاعلام واعلام الإرهاب والتطرف، وتستنقذ الشباب والشابات من المهددات والمخاطر المحدقة بهم ضمن مشروع وطني تكاملي لا يستند إلى الجهد الأمني المثقل فحسب بل يتعداه إلى تضامن وطني مؤسسي وفردي يستشعر عمق الخطر وعظم التهديد، ويجعل من الوعي الإعلامي الفردي والجماعي مرتكز وقاية وسياج حصانة - فكرية وسلوكية - من مستجدات الإعلام والإرهاب.