د.ثريا العريض
وصلني تسجيل متداول لتحقيق قامت به وبثته أحد القنوات الفضائية عن رئيس وزراء سابق في العراق أصابني بالاكتئاب. هل يمكن أن تصل الأنانية بصانع قرار يرتبط بالملايين إلى حد التعاون مع العدو الصهيوني؟ لم لا؟ بعض البشر لا حد لأنانيته! ثم تناوبني سؤال مزعج آخر: لماذا توقيت البث في هذا الوقت بالذات؟
أكتب صباح يوم عاشوراء. وبين الفينة والفينة تصلني عبر وسائل التواصل المتعددة رسائل و تسجيلات متعددة وفي الغالب متكررة ,بعضها يتعلق بهذا التاريخ، وبعضها بمستجدات الساحة المحلية و الإقليمية. وكلها تشترك في ضبابية الهدف من إرسالها ؛هل هو للتعاطف؟ أم للتأليب؟ أم لتوجيه الرأي العام؟ كما تشترك في إثبات ظاهرة إساءة استخدام وسائل التواصل لخدمة إهداف فئوية خاصة. و يشترك غالبية الآخرين في حماقة إعادة إرسالها و بالتالي نشرها وخدمة أهدافها التي تصل لكل متلق بصورة مختلفة الفحوى.
ضمنها خبر عن منع «الحكومة» لمظاهر تجمعات العزاء المتعلقة والمعتادة بين الشيعة - و الله أعلم أي حكومة بأي بلد خليجي يشير إليها الخبر -كما توحي تفاصيل الكتابات في الشارع؛ و هنا تسجيل مرئي لتفاصيل دموية عن بعض طقوس الممارسة في العراق لم أستطع بعد بضع ثوان إكمال مشاهدته - و الله أعلم متى تم هذا التسجيل فعلا، حاضرا؟ أم في زمن ماض؟ حيث تعاني العراق من الأحداث الدموية ما يكفيها دون أن يمارسها الناس على أنفسهم!
منطقيا أتفهم رغبة أي حكومة في تقليص مظاهر التجمعات، أو الإشارة إليها في الأوضاع الحالية، ففي ترصد الخلايا الإرهابية بقصد إثارة الصراع المذهبي ستكون اليافطات و الجداريات إعلانا عن مواقع التجمعات، وخارطة واضحة لأين يمكن توجيه ضربة إرهابية. في المنع هنا حماية ووقاية استباقية من أي فعل عدواني موجه للاستفزاز وتصعيد تبادل العنف. وأجزم أن إجراءات أخرى للحماية و الوقاية و قمع العنف ستفعل وتطبق.
والحمد لله على نعمة الشعور بالمسؤولية و حسن القيام بها.
أتذكر محاولاتنا الجادة في مجلس الشورى لعرض مقترح نظام حماية الوحدة الوطنية ، وتمرير قانون لتجريم أفعال الكراهية التي ضحيتها ليس فقط من يتعرض لها من المواطنين، بل ضحيتها الأكبر بقصد أو بغير قصد أمن الوطن واستقراره.
أتمنى أن نرى المزيد من وعي أفراد المجتمع في اختيار الأفعال التي لا تستثير و لا تستفز و لا تساهم في توليد أو تصعيد العنف و الفرقة. و أتأسى لضعف الحس بالانتماء المجتمعي عند بعض الأفراد الذي يعجزون عن تقديم أمن الوطن على أي توجه آخر في اختيار أفعالهم .
و أذكر مرة أخرى بضرورة بناء ودعم رؤية جماعية واعية بمسؤولية حماية الوحدة الوطنية. و بضرورة تجريم و معاقبة ما يضر بها.
ليس مريحا لمن يحب الوطن أن المتوقعات المستقبلية ليست واضحة تماما .. و أن يضطر للاعتراف أن هناك غيابا ملموسا محسوسا لاتضاح الرؤية بعيدة المدى وغياب محسوس للشعور بالأمن.
أما الغياب الذي يصبغ أجواء اليوم فهو غياب الهدوء و التعايش الذي عرفناه خليجيا في طفولتي حيث طبق الناس مبادئ الدين و أحبوا جيرانهم من كل الأصول و الإثنيات والأعراق والمذاهب و تعايشوا بلا أحقاد و لا ترصد.
كيف تسير أمور مجتمعاتنا في دول الخليج في ظل عالم يشهد تغيرات سريعة ومنطقة الشرق الأوسط التي تشهد تحولات عنيفة؟
مع الأسف هذا السيل من الغثاء و التسجيلات الضبابية الهدف و التوجه، مؤشر سلبي على مستوى الوعي مرتبطا بالممارسة. حالنا كحال قوافل سائرة في طريق صحراوي في حقبة جفاف، أصبح معتادنا فيها العواصف الرملية والسيول المفاجئة، أو درب جبلي الى قمة الأمن و السلامة والرفاه على شفير هوة يكتنفه الضباب وتتساقط فيه الصخور.
متوارث أعرافنا الفئوية، وضعف الوعي و الإلتزام بالانتماء العام ، وهشاشة خبرتنا السياسية في عصر التقنية لا تسعف كثيرا؛ نعتمد فقط على حكمة قادة القوافل وثقتنا بهم. و أدعو الله أن يكونوا ونكون أكثر حكمة ووفاء والتزاما بمستقبل الوطن من متداولي التسجيلات المشبوهة الهدف.