د.ثريا العريض
من أهم أخبار الأسبوع الماضي خبر رحبت به الغالبية في الشارع السعودي, وهو خبر موافقة مجلس الشورى بأغلبية 96 صوتاً مقابل 23 على مناقشة مقترح تعديل نظام الأحوال الشخصية.
وقد جاءت التغطيات الإعلامية حالاً معبرة عن هذا الموقف العام بعناوين مثل «96 صوتاً تحسم الجدل حول تقنين حقوق المرأة مدنياً».
واستغربت أن جاءت بعض التعليقات في تويتر ووسائل الاتصال مركزة على مهاجمة الاقتراح مؤطرينه بشتى الاتهامات البعيدة عن الصحة.
ببساطة؛ المقترح الذي سيتناول مجلس الشورى مناقشة تفاصيله في جلسة قادمة يتعلق في حقيقته بحفظ حقوق الأسرة كلها، والأطفال بالذات, مقابل التجاوزات الفردية المنتشرة الآن في حالة انفصال الأبوين وحقد أحد الطرفين على الآخر، ممثلاً في الانتقام من الطرف الضعيف، وهو الأطفال عبر التحكم في حاضرهم ومستقبلهم.
ليس كل والد ملتزماً بتعليمات الدين في ما يختص بالعلاقة الأسرية.. وفي كل يوم نسمع المزيد من حكايات معاناة النساء والأطفال من تمسُّك الأب بأوراقهم الثبوتية بدءاً بشهادات ميلادهم وإثبات جنسيتهم، وامتداداً إلى منعهم من السفر وعدم تجديد جوازاتهم وتصاريحهم.. وهي ممارسات مقيتة تحدث في كل المستويات المادية والتعليمية والمجتمعية ولا ترتبط بفئات معينة. المسألة برمتها محاولة لتصحيح وإيقاف هذه الممارسات المؤلمة في حق الأطفال والزوجات. هذا لا يعني أن كل حقوق الرجال محفوظة.. ولكن المرأة في الوضع الحالي لا تملك أن تقوم عبر صلتها الأسرية بأبنائها بملء الفراغ أو محو الضرر الذي يتسبب فيه عدم قيام الأب بواجباته المفترضة كرب الأسرة. ولحفظ حقوقها وحقوق أطفالها في حياة كريمة لا بد من تعديل قانون الأحوال الشخصية لحماية الحقوق من تقلبات مشاعر الأب في حالة التنافر.
وقد أفهم، وإن لم أتقبل مهاجمة بعض الذكور للمقترح، حيث من الواضح أنه سيغلق باب استغلال الذكر لسلطة موقعه في الأسرة لإذلال المرأة حين ومتى يشاء.. ولكني مثل الكثير من الواعين والواعيات لعدالة تعاليم الشريعة في ما يختص بحماية حقوق الأسرة وكل أعضائها في معادلة سليمة لا تسمح بأن تخترقها أهواء البشر، لا نفهم كيف تقف امرأة سوية ضد هذا المقترح الساعي لتحقيق الشريعة، لتمكين المرأة من مواصلة حياتها دون مضايقة حتى حين تتعثَّر العلاقة الزوجية.
تطبيق: «إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان» مهم حتى لو انزعج الزوج من حدوث الطلاق.. وليس في ذلك فرصة للانتقام منها أو الإخلال بحقوق أولادهما عبر التخلي عن القيام بمسؤولية تمكينهم من الحصول على حقوق المواطنة والتعليم والعلاج, بالحصول على أوراق ثبوتية تتيح ذلك حتى في حالة عدم تعاون الأب في القيام بمتطلبات الإجراءات الرسمية.. أن تمتلك المرأة كل الوثائق التي تثبت علاقتها بأولادها وتتيح لها القيام بضمان تحقُّق حقوقهم حين هم قصَّر بحاجة لمن يتولى أمورهم بعدل ومحبة, هو تحقيق لأهداف الشريعة.. ولا حاجة لمرمطة نساء مطلقات ومعلّقات في سنوات من القضايا، والجلسات في المحاكم لحل المشاكل التي يُولدها انفصال فردين.. بل تطبيق مباشر لـ«إمساك بمعروف أو تسريح بإحسان»، وما يتطلبه تحقيق ذلك من إجراءات تحميه من أنانية البشر.