د.ثريا العريض
بغضّ النظر عن التكهنات حول ما سيأتي به الغد القريب أو البعيد لمنطقتنا الشرق أوسطية، عربياً وإقليمياً ودولياً، واضح أنّ جميع الجهات المعنية ترغب في إحداث تغيرات في خارطة مكوناتها. وفي حالة القوى الخارجية اهتمامها ليس بالضرورة للإصلاح، بقدر ما هو موجه للسيطرة على مستقبل المنطقة، من حيث قدراتها السياسية ومواردها المادية والطبيعية.
منذ السبعينات منطقة الخليج العربي مرت بمتغيرات كثيرة سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، بعضها رسمية متفق عليها مركزياً ودولياً كإعلان استقلالها ثم انضمامها لمجلس التعاون والمنظمات الدولية واتفاقياتها، وبعضها عشوائية استجدت كنتائج جانبية لمتغيرات محلية وإقليمية ودولية؛ وهذه بالتالي غير مدروسة، وغالباً غير مرغوب فيها.
وقد استطاعت بعض دول الخليج الاحتفاظ بالمرونة المطلوبة للتحكم في المستجدات العشوائية، ومنها مثلاً رغبة القوى الخارجية القريبة والبعيدة، في التحكم بمجريات الأمور فيها والتدخل اللا مشروع في أمورها الداخلية. ولعل إيران ومحاولة تصدير الثورة القائم على الرغبة في استعادة خارطة التمدد الفارسي أوضح مثال.
أما القوى الدولية فتتعدى ذلك بتوجيه سياساتها في المنطقة لتتماشى مع تغير خارطة القوى اقتصادياً، وتحول التركيز إلى المنطقة الآسيوية كمراكز للتصنيع والتصدير عالمياً. ومنطقة الخليج تتوسط الخارطة الكونية بين آسيا شرقاً وأوروباً فأمريكا غرباً. بالإضافة إلى ذلك منطقة الخليج هي أكبر مورد للطاقة النفطية والغاز للجانبين شرقاً وغرباً. وفي محاولة إبقاء ميزان التنافس متوازناً بين مصانع الغرب ومصانع الشرق الصينية واليابانية، تأتي مشاريع إخضاع منطقة الخليج للهيمنة.
دول الخليج وبالذات المملكة العربية السعودية تتعرض لضغوط كثيرة ضمن إطار عضويتها عربياً وإسلامياً ودولياً، لتبقى في دور الممول لمشاريع الآخرين من موارد مصدر دخلها الريعي شبه الوحيد حتى الآن؛ وليس التطور إلى دور العضو المستقل بمشاريعه الخاصة التجارية أو التصنيعية.
بعض الدول الخليجية استطاعت أن تخرج من هذا الإطار المعتمد على دخل النفط فقط وتتوسع بمشاريع التنمية الاقتصادية. دبي مثلاً مثال واضح على النجاح في تقديم نفسها كموقع متوسط جغرافياً، يقدم خدمات متطورة كمركز مالي دولي وتسهيلات لجذب استثمارات الغرب والشرق. وبهذا نجحت في بناء وتوفير مصدر دخل محلي بتطوير السياحة وتقديم التسهيلات والخدمات للمؤسسات الصناعية والتجارية الأجنبية. والبحرين أيضاً تسير بنفس التوجه رغم الأحداث الإرهابية الأخيرة. وكلاهما استمد قدوة من نجاح دول صغيرة كسنغافورة في التطور السريع كمركز لنشاط الاقتصاد الدولي.
المملكة العربية السعودية تحمل إلى جانب مسؤوليتها للتطوير الذاتي مسؤولية القيام بخدمة الحرمين الشريفين كل عام؛ وهي مسؤولية جسيمة ومتصاعدة المتطلبات تتشرف بها المملكة. ولكن البعض داخلياً وخارجياً يحاول أن يحول هذا التشريف إلى عذر للتدخل في قرارات التطوير.
ما يحدث على أرض الوطن يستحق التأمل بتعمق وتناول القرارات في أطرها الزمنية والمكانية المتعددة، وفي ضوء تفهم الطموحات والتطلعات لكل الجهات المعنية، لكي نستطيع تعديل إجراءات اتخاذ القرار المتعلق بالمشاريع محلياً والعلاقات خارجياً. لا يمكن أن تظل القرارات تتلكأ في مرحلة الدراسة حد التحجر، وتتدخل فيها المصالح التي قد تفضل استمرار الحال على بناء الطاقات المحلية، أو الحزم في تطبيق القوانين الرسمية. متعذرة بخصوصية تمنع مجتمعياً التطور المطلوب لمواكبة المستجدات بفاعلية.
كمتخصصة في التخطيط الشامل وللمدى البعيد، أسعد بملاحظة التغير في أسلوب صنع القرار، واعتماد الرؤية الشمولية لربط الخطط التنموية والمشاريع بالأهداف المستقبلية وليس الضغوط الآنية للمصالح المختلفة.
وأقول: الحمد لله.. اللهم أدم علينا الروح القيادية واضحة الرؤية ومتضحة الهدف.