د. جاسر الحربش
ليس هناك وضع أسوأ من اضطرار العرب إلى التشارك مع أربع دول أجنبية للوصول إلى تسوية ما للثورة السورية. عداوات وخلافات فصائل المقاومة السورية بذاتها تمثل بأوضح صورة سوء وقبح الواقع العربي المتشرذم، بعدم اتفاقها على الوطن كأولوية.
لكن السؤال الكبير الذي سوف يتوجب على العرب كافة مواجهته بعد الوصول إلى تسوية دولية في سوريا، هو ما الذي سوف يبقى للعرب السوريين من ضمانات بعد القضاء على كافة حركات المقاومة للنظام السوري الإيراني، بتصنيفها جميعها دون تمييز على أنها حركات إرهابية تتساوى فيها داعش والنصرة مع الفصائل الوطنية المستقلة عن التبعية إلا للوطن العربي السوري؟. بعد ضرب كافة عناصر المقاومة السورية دون تمييز سوف يصبح موقف الأسد وإيران وروسيا وحزب الله أقوى بكثير، والغرب والدول العربية لن يتدخلوا حينئذ لأنهم لن يجرؤوا على ذلك وروسيا موجودة على الأرض السورية. في حالة الوصول إلى تسوية دولية بهذه النهاية وبمشاركة عربية سوف يحصل العرب مرة أخرى على نفس النتيجة للمعادلة المتكررة، أي فرض استحقاقات القوة على قوة الحق، وهذا يعني فرض استحقاقات الأجانب الأقوياء على حقوق العرب الضعفاء.
القوي يستطيع أن يصنع لنفسه استحقاقات ليست من حقوقه. التخطيط والمجهود العلمي والاحتيال التي يستثمرها القوي تقنعه بحقوق ليست له. هي ليست حقوقا ً طبيعية، أخلاقية، شرعية، ولكنها استحقاقات القوة. هو يعتبرها مكافأة شخصية له مقابل جهوده، يجب أن يتنازل له الضعيف عنها كضريبة على كسله، قناعته، إيمانه الاتكالي بالقضاء والقدر، إلى آخر التبريرات المتنوعة بتنوع الثقافات والحضارات والظروف.
القوانين والشرائع والأديان كلها حاولت ولم تستطع تعديل هذه المعادلة، ولا حتى التخفيف من جبروتها في المسيرة التاريخية، بل هي تزداد عنفا كلما أوغل الإنسان في إنجازاته العلمية والتدميرية.
خمسة ملايين يهودي مهاجر أرهبوا ثلاث مائة مليون عربي باستحقاق القوة ونكسوا رؤوسهم. ليس أوضح من فرض القوة استحقاقاتها على أصحاب الحق من إجبار أمريكا كل دولة على تسليم من تراه عدوا ً لها إليها هي، وتسليم من تصنفه مجرما ً بحق الإنسانية إلى محكمة العدل الدولية، في الوقت الذي تستثني هي نفسها من كل هذه الالتزامات، بعد أي فعل ضد المصالح الأمريكية يقوم به غير أمريكي في أي بقعة من العالم تضغط أمريكا بكل وسائل القوة المكتسبة لتسليم الفاعل إلى سلطاتها القانونية ليحاكم على الأراضي الأمريكية، وليس أمام محكمة العدل الدولية، ناهيك عن رفض المحاكمة في الدولة التي ينتمي إليها المتهم بانتهاك المصالح الأمريكية. بنفس عملية فرض استحقاق القوة على قوة الحق تضغط الدول الصناعية الكبرى على الدول الأضعف لتقليل حصصها من انبعاث الغازات الصناعية في الأجواء. هي في الحقيقة تتقصد إبطاء التنمية في هذه الدول لضمان استمرار السيطرة على الأسواق. الحجة هي مكافحة التلوث البيئي والهدف عرقلة سرعة التنمية في الدول النامية بقوة الاستحقاق المكتسبة.
من الواضح أن منطقتنا العربية بالذات تشهد الآن واحدة من أشرس الصراعات بين قوة الحق لمقاومة استحقاقات القوة. إيران إقليميا وروسيا عالميا ً تحاولان الوصول إلى ما وصلت إليه الولايات المتحدة الأمريكية في المنطقة العربية من العالم. نتيجة الصراع بالحسابات المعقمة ضد جراثيم التمنيات والعنتريات محسومة لصالح الأقوى في حال استمرار الحالة العربية على ما هي عليه من أنانيات وعداوات إقليمية، وهذا هو المتوقع لشديد الأسف.
أصبح العرب محشورين في زاوية ضيقة تتحدى فيها قوة الاستحقاق المكتسبة للأجانب قوة الحق الشرعية لأصحاب الأرض، وذلك بآلية الاستفراد وتغيير الحكومات والتفكيك والتهجير وتغيير الوضع الديموغرافي للسكان. وضع العرب بائس، مفتت بين عشرين دولة قطرية لا يزيد التبادل التجاري بين شعوبها عن ثمانية بالمائة، وتنسيقها الأمني والدفاعي في درجة التجمد. إجهاض النهضة التنموية في تركيا سوف يكون بالتأكيد الهدف التالي، ليس لروسيا وإيران فقط، بل لمجموعة الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية أيضاً، على الأقل بمفهوم لم آمر بها ولم تسؤني.
إن لم تحصل معجزة عقلانية تعاونية يتخطى بها العرب والترك حساسياتهم القطرية والعرقية والتاريخية لن تستطيع قوة الحق المفتتة مقاومة استحقاق القوة المفروض عليهم من الغزاة الأجانب.