يوسف المحيميد
لم يزل بلد ضخم، يشبه في تنوعه وثرائه، قارة كاملة، كالمملكة، لا يُعنى جيداً بالثقافة، رغم أنها الأداة الوحيدة القادرة على تحقيق توازن المجتمع، ورفع درجة وعيه، وانفتاحه، وتسامحه، فمن إدارات مشتتة ذات علاقة بالثقافة، كانت موزعة على وزارات الإعلام، والتعليم، والحرس، والرئاسة العامة لرعاية الشباب وغيرها، إلى محاولة توحيدها كإدارات تنتمي للثقافة بشكلها العام، وإدراجها ضمن وزارة الإعلام، وتغيير اسمها إلى وزارة الثقافة والإعلام، وتنصيب الأستاذ إياد مدني كأول وزير للثقافة والإعلام!
هل أدى ذلك إلى الاعتناء بالثقافة كما كان حلم صانع القرار آنذاك؟ أم أنها ضاعت، وتاهت أكثر من ذي قبل؟ قد لا نحتاج إلى إجابة حاسمة، بقدر حاجتنا إلى تمعن المشهد، أو حتى إلقاء نظرة سريعة لما تحقق لهذه الوزارة الجديدة على مدى عشرة أعوام، فمثلاً ماذا تغير في الأندية الأدبية؟ ماذا تغير في فروع جمعية الثقافة والفنون؟ ماذا عن المكتبات العامة في مناطق المملكة؟ ماذا تحقق في صناعة الكتاب ودعم الناشر السعودي؟ ماذا عن إنشاء صالات العروض التشكيلية والفوتوغرافية؟ ماذا قدمت هذه الوزارة للمواطن كمستفيد من جهة؟ وللمثقف كفاعل ومؤثر من جهة أخرى؟.
لا أريد أن أقول: لا شيء، حتى لا أكون حاداً في الرأي، متطرفاً في الرؤية، فقد تكونت جمعيات عمومية للأندية لكنها بلا اجتماعات، ولا محاسبة مجالس الإدارات على ما أنجز، وما لم ينجز، فقط تجتمع للانتخابات كل أربعة أعوام، كي تنتخب المجلس الجديد، ثم تذهب إلى حال سبيلها!
أما فروع جمعية الثقافة والفنون فلا تختلف عن أشقائها الأندية، كلها في الهم والمرض والفقر سواء، فبعد أن كانت هذه الإدارات هامشية في وزاراتها، تحولت بعدما تجمعت معاً إلى عالة على وزارة الإعلام، فلا هي تُركت كما كانت، في جهات حكومية مختلفة تتصدق عليها بشكل خجول، ولا هي أصبحت فعلاً وزارة كاملة، ذات ميزانية محددة ومعروفة، بل أصبحت معظم مخصصات الميزانية تذهب للإعلام، بينما بقيت الثقافة تنظر بحسرة، ولا تملك شيئاً، ولعل الأمر صار أكثر قلقاً بعدما انسلخت الإذاعة والتلفزيون، ووكالة الأنباء السعودية، والهيئة العامة للإعلام المرئي والمسموع، وأصبحت هيئات مستقلة، فبقيت وكالة الوزارة للثقافة وحيدة، تتلفت حولها دون جدوى، فلا هي تملك القدرة على العمل الثقافي كما كانت، ما عدا إقامة معرض الرياض الدولي للكتاب سنوياً، الذي بقي المنجز الوحيد القائم، أما ما عدا ذلك فتبقى الوكالة والثقافة في حالة سبات دائم!.
السؤال المهم، ماذا لو تعاملت الدولة مع الثقافة كما تعاملت مع الإذاعة والتلفزيون، ووكالة الأنباء، وهيئة الإعلام المرئي والمسموع، وقامت بتحويل الوكالة إلى هيئة عامة للثقافة والفنون، وأقامت عليها رئيساً مثقفاً وإدارياً محنكاً، لأن تجربة المثقف في العمل الإداري فاشلة في معظم التجارب، وكذلك الإداري الذي يأتي للمنصب بثقافة متواضعة، في موقع يحتاج إلى مثقف حقيقي، واسع الثقافة، ومنفتح على الآداب والفنون، تدعمه بذلك خبرة إدارية جيدة، ومن ثم منحه كافة الصلاحيات التي من شأنها تقديم ثقافة وطنية متقدمة ومسؤولة، وعلى نطاق شعبي واسع.