سلمان بن محمد العُمري
يحرص أعداء الوطن على بث الشائعات في المجتمع باعتبارها سلاحا فعّالا، يستخدم لإضعاف المجتمعات وتدمير بنيتها النفسية.
وقامت وزارة الداخلية بإنتاج فيلمٍ قبل عدّة سنوات بعنوان: «الشائعات سمٌّ في جسدِ المجتمع» وحصلت به على المركز الأول في المسابقة التي نظّمتها الأمانة العامة لمجلس وزراء الداخلية العرب وتم التكريم على هامش المؤتمر الـ37 لقادة الشرطة والأمن العرب الذي انعقد آنذاك في تونس.
والداخلية تدرك أهمية دحض الشائعات ومكافحتها لخطورتها على الأمن، وهذا لا خلاف عليه ولأنها جريمة ضد أمن المجتمع، وصاحبها مجرم في حقّ دينه ومجتمعه. ومن هنا نحن مطالبون بالقضاء على هذه الظاهرة التي استفحلت بعد دخول التقنية الجديدة لعالم الاتصال وآثارها مدمرة ضد أمن الوطن واستقراره، والأسرة والمسجد والمدرسة ووسائل الإعلام وبقية مؤسسات المجتمع مسؤولون عن محاربة الشائعات وتنبيه النشء وتذكير الكبار ممّن ينجرفون وراء كلّ خبر يأتيهم دون تثبّت ورويّة غير مبالين بما يمكن أن تنتهي إليه الشائعات من سلبيات مدمّرة.
ولاشك أن من الأمور المسلّمة عقلاً، والمقررة في جميع المبادئ والثقافات، والشرائع - وفي مقدّمتها شريعتنا الإسلامية - الحث على قلّة الكلام، وترك الفضول من القول، وعدم اللجوء إلى الكلام إلاّ إذا ظهرت فيه مصلحة دينية أو دنيوية.
يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: «من كان يؤمن بالله واليوم الآخر فليقل خيراً أو ليصمت». وكما أنّ الشريعة حثّت على قلّة الكلام إلاّ فيما فيه مصلحة، فإنها حثّت أيضاً على التحقُّق من كل ما يُقال، وعدم الإصغاء إلى كلِّ ما يُشاع ويُذاع، وأوجبت التثبُّت من كل قول، وعدم تصديق كل خبر يُقال، حتى وإن علم قائله، وعرف المتحدث به، فكيف إذا كان الخبر مجهولاً قائله، ولا يعرف صدقه من كذبه؟ فكيف يستسيغ عاقل أن يصدّق كل ما يسمعه من أخبار من مصادر مجهولة!!
إن الإشاعات جزء من الحرب النفسية التي لها مفعول مدمّر وأثر خطير في زعزعة الاستقرار وتقويض الأمن مما يوجب الحذر من كيد الأعداء وعدم الانسياق وراء حملات التخويف والارجاف المفتعلة.
ويقدّم لنا ابن كثير في البداية والنهاية نموذجا قديما يبرز أثر الإشاعة وسرعة انتشارها في الناس وتصديقهم لها دون وعي أو تثبت وكيف استغلها اللصوص. ثم كيف تعامل معها الخليفة في ذلك الزمن. سنة 304 (اشتهر ببغداد أن حيوانا عجيبا يقال له «الزبزب» يطوف بالليل يأكل الأطفال من الأسرة ويعدو على النائم؛ فربما قطع يد الرجل وثدي المرأة وهو نائم ، فجعل الناس يضربون على إسطحهم بالنحاس من الهواوين والطسوت وغير ذلك؛ ينفرونه عنهم، حتى كانت بغداد ترتج من شرقها وغربها، واصطنع الناس لأولادهما مكبات من السعف وغير ذلك، واغتنمت اللصوص هذه الشوشة فكثر النقوب وأخذ الأموال. فأمر الخليفة بأن يؤخذ حيوان من كلاب الماء فيصلب على الجسر؛ ليسكن الناس عن ذلك، ففعل فسكن أمر الناس ورجعوا إلى أنفسهم واستراح الناس من ذلك).
وهذا كان في الزمان الماضي مستهجناً، فكيف في عصرنا هذا الذي تطوّرت فيه وسائل الإعلام، ووسائل التواصل على نحو مذهل، ومنها مواقع التواصل الاجتماعي، فأصبح من السّهل جداً اختلاق الأكاذيب، واختراع الإشاعة، وتناقل الأخبار بالصوت والصورة. قال الله - سبحانه تعالى -: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ}.
وهذا يوجب من الإنسان العاقل أن يحذر كلّ الحذر من هذه المواقع، وألاّ يقبل كل ما يرد فيها، ويحمله على محمل الصدق - وهذا ما يفعله كثير من الناس، مع الأسف، نظراً لقلّة وعيهم بمخاطر هذه المواقع، فتراهم يتهافتون على ما تنشره من إشاعات كاذبة، واتهامات مغرضة، تصل في أحيان كثيرة إلى المساس بأعراض الناس، والنَّيل من شرفهم، وتشويه سمعتهم، وفي كثير من الأحيان تكون الشائعات تمسُّ بأمن الوطن، وبالوحدة الوطنية، وتثير الفتنة بين أفراد الشعب، مما تكون له نتائج وخيمة.
وهناك فئة أخرى يتسابقون على نشر الشائعات وكل همّهم هو السبق في نشر المعلومة صحيحة كانت أم خاطئة، ولا يفكّرون في عواقب الأمور، وهمّهم الوحيد (أنا أول من أرسل)!!
أنّ الموضوع من الأهمية والخطورة، بحيث يجب أن توليه الجهات المختصة ما يستحقه من عناية واهتمام، من خلال حملة توعوية، تبصر الناس بمخاطر هذه المواقع، وتبيّن لهم الطريقة الصحيحة للتعامل معها، ومع ما تنشره من أخبار وإشاعات، وتوضّح لهم ما يترتّب عليها من المفاسد الدينية والدنيوية، وأنه من المستحسن إنشاء مركز وطني لمكافحة الشائعات في المجتمع يرصد ما يتداوله الناس خاصة الأمور الجسام ويكشف عن حقيقتها ومدى دقّتها عبر مواقع الكترونية متخصصة.