زكية إبراهيم الحجي
ترى كيف نصل لمفهوم حقيقة ما غابت عنا ونحن نعتقد أننا نمتلكها.. كيف نكسر ما فرضته علينا البيئة في حال كان خاطئاً وتبيّن لنا خطؤه وسوؤه وفشله.. وكيف نتقبّل ونفخر بما أعطته لنا البيئة وكان سبباً في كثير من الأمور الرائعة والجميلة في حياتنا..
كيف نحرر أنفسنا من قيود صنعناها بأيدينا وطوّقنا أنفسنا بها وبرغبة منا.. كيف نستطيع أن ننظر للعالم من زوايا أخرى ومختلفة غير تلك الزاوية التي اعتدنا أن ننظر منها.. كيف نواجه بشجاعة أفكارنا الخاطئة عندما يتبيّن خطأها لنا ونعتق أنفسنا منها.. هل علينا أن نفكر أم يجب علينا أن نفكر لنستنتج الإجابة المناسبة لهذه التساؤلات؟.
من الأسطورة إلى الحقيقة.. ومن تَجاوزِ الخيال نحو الواقع الذي يعيشه البشر.. وبطريقة رمزية كان التماهي مدهشاً في أسطورة خيالية بمضمون فلسفي يشرح أهمية مواجهة الحقيقة التي قد تبدو مخيفة لحظة المواجهة، إنها أسطورة «كهف أفلاطون» للفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون أبرز أقطاب الفكر الفلسفي اليوناني.
أحداث أسطورة كهف أفلاطون الخيالية تدور وباختصار حول أشخاص تم تقييدهم منذ الصغر في كهف مظلم.. لا يستطيعون الالتفات إلى ما وراءهم، ينظرون فقط إلى الأمام يشاهدون مجموعة من ظلال أشياء تعكسها نار من خلفهم.. هم لا يرون سوى ظلال ما جعلهم يعتقدون أنّ تلك الظلال هي حقائق الأشياء.. السؤال ماذا سيحدث لو تم فك قيدهم وخرجوا من الكهف المظلم ورأوا نور الشمس وعاشوا في البيئة الطبيعية للبشر.
كهف أفلاطون أسطورة ذات بُعد فلسفي عميق تبيّن برمزيتها الفرق بين المعرفة الحقيقية والمعرفة السطحية.. فالكهف في التفكير الإنساني يمثل الظلمة والعزلة.. ومحدودية المعرفة والخوف من مواجهة الحقائق.. باختصار فلسفة كهف أفلاطون محاكاة تمثيلية فلسفية بسيطة تبيّن كيف يؤثر واقعنا على تفكيرنا والعكس صحيح.. وأنّ ما نراه أو اعتدنا على رؤيته لا يشترط أن يكون دائماً هو الحقيقة، قد تجبرنا كثير من العوامل والظروف للنظر إلى الأشياء من زاوية معيّنة وبطريقة معيّنة.. فربما النظرة التي اعتدنا عليها قد تصطدم بالواقع الذي يعارضها فتبدو لحظة إدراكنا المفاجئة من أصعب اللحظات، فالحقائق ستظهر مخالفة لما اعتدنا عليه.. والحقائق الجديدة قد يدعمها واقع ربما لا يقبل نقاشاً.. فينشأ صراع نفسي في ظل التخلي عن أمور تمسكنا بها طوال حياتنا.
فلسفة كهف أفلاطون رغم بساطتها إلا أنها تقود لفهمٍ أفضل للناس والمجتمع، فلسفة تعطي الأسباب والمبررات كما تعطي الأفكار والحلول، فلسفة لا تنكر دور البيئة والظروف المحيطة، ومدى تأثيرها في صياغة الأفكار وتبادل الآراء وطرح وجهات النظر المختلفة على طاولة حوار عقلاني، ومناقشتها بكل حيادية.. فلسفة كهف أفلاطون تشير إلى أنّ ملامح شخصية الإنسان ومن يكون، تتشكّل مما تعكسه عليه البيئة التي يعيش وينتمي إليها، وقد يترتب على ذلك تكوين شخصية المجتمع بأكمله.
أخيراً لا بد من الإشارة بأنّ مفردة (كهف) في أسطورة كهف أفلاطون لها دلالات كثيرة، وقد طالتها تفسيرات متعددة، منها ما هو مرتبط بالأفراد، ومنها ما هو مرتبط بالمجتمعات والشعوب والدول.