زكية إبراهيم الحجي
التغيير سنة إلهية يقوم عليها هذا الكون في كل مكوناته المادية والمعنوية.. وينعكس هذا التغيير على المجتمعات البشرية وإن ظهر بطيئًا أحيانًا.. ولأن الشباب في كل مجتمع يمثلون العمود الفقري والقلب النابض واليد القوية.. وهمزة الوصل التي تربط بين الحاضر والمستقبل لذا فهم وقود حركات التغيير لما يتمتعون به من حماسة وحب المغامرة والتجديد..
والتطلع دائمًا إلى كل جديد ورفض التبعية إلا ما كان صحيحًا ساميًا ورفيعًا.. وليس هناك من عملية تغيير في أي مجتمع حققت أهدافها إلا كان وراءها قيادة آمنت بفكرة التغيير وتشربت حبها وتفانت في سبيل تحقيقها.. ذلك أن الأفكار لا تتحقق على أرض الواقع إلا بذوبان الأشخاص فيها حتى يصبحوا أدلاء عليها.. لذلك لا يمكن أن نحكم على مستقبل أي مجتمع إلا من خلال سلوك شبابها وأفكارهم وتوجهاتهم والفكر الذي تربوا عليه.
عالم اليوم هو عالم التحولات العميقة التي تشكل في حد ذاتها أحداثًا وتغيرات مهمة في مجالات الحياة المعاصرة.. وتحديات مختلفة ما بين سياسية واجتماعية وثقافية وجميعها معطيات حياتية تنعكس على حركة المجتمع الفكرية والخلقية والروحية.. المثل والقيم والمعارف وجميع أنماط الحياة.. لهذا لا بد من الاعتراف بأن الشباب هم أكثر فئات المجتمع تأثرًا وتأثيرًا نتيجة الانفجار المعرفي وثورة الاتصالات ونماذج متعددة من الأفكار والثقافات تنتقل من مجتمع إلى آخر بفعل وسائل الاتصال المتطورة.
ونظرًا لأن المنظومة القيمية.. ويُقصد بالقيمية المبادئ والمعتقدات المقبولة والمتفق عليها من قبل الفرد والجماعة لتحقيق توازن واستقرار البناء المجتمعي.. فنظرًا لهذه المنظومة بالتوازن مع المنظومة المعرفية تتعرضان دومًا إلى تغير مستمر في جميع المجتمعات وذلك تبعًا لما يطرأ على المجتمع من تغيرات يرافقها ظهور حاجات ومتطلبات جديدة.. فإن هذا يتطلب وبطبيعة الحال أن تكون المنظومة القيمية مرنة.. لينة تواكب حاجات الشباب وتطلعاتهم.
عالم اليوم عالم تلاشت فيه الحدود والمسافات وصار لكل حدث معاصر انعكاسات مباشرة على العالم أجمع وبات تقدم الأمم رهنًا بقدرتها على تصور المستقبل والإعداد والتخطيط له.. ونتيجة للتطور العلمي والمعرفي الذي يشهده العالم اليوم.. ازداد إحساس الشباب بأنهم جزء من عالم أعم وأشمل من عوالمهم الخاصة يرتبطون معه بروابط مختلفة.. كما ازداد الإحساس بأن مشكلات الإنسان في عصر التكنولوجيا هي مشكلات عالمية ناتجة من برامج متناقضة لبعض جوانب منظومة القيم يتلقاها الشباب عبر وسائل التواصل باختلاف أنواعها مما يؤدي إلى مزيد من اضطرابات وصراعات يعيشها الشباب إما مع أنفسهم أو ضمن النسق المجتمعي.
ولا شك أن مهمة التغيير التي نسعى إلى تحقيقها في الشباب هي مهمة غاية في الصعوبة ولا يمكن أن تتحقق على أرض الواقع ويكتب لها النجاح إلا إذا تضافرت حولها الجهود.. وحشدت لها الطاقات.. وبما أن الشباب هم وقود التغيير إذًا لا بد أن ينخرطوا في سلك العمل الجماعي وينضووا تحت لوائه وإلا فإن الجهود الفردية سرعان ما يزول أثرها.. وينزوي تأثيرها ويتفرق أنصارها.
مرحلة الشباب هي مرحلة النزوع للانخراط ضمن أطر جماعية.. والتعايش ضمن الأطر الجماعية يعتبر ضرورة تربوية ففي أحضانه تنصهر طاقات الشباب وتتبلور ثقافتهم المعرفية.. ومن خلالها يبرز الأثر إما سلبًا أو إيجابًا فنعرف مكامن الخلل ونستدل على الفجوات المثقوبة نتيجة ضعف التمسك بالقيم والمثل أو ضعف الترابط الأسري أو غياب مفهوم القدوة الدينية والاجتماعية والعلمية ونجتهد في إصلاحها من منطلق مسؤوليتنا تجاه الشباب ودورنا في تنمية القيم التي تقود سلوكهم وانتماءهم للمجتمع والوطن والرضا عن ذواتهم مما يحقق الاستمرار في نمو شخصياتهم الإنسانية والمعرفية وتكاملها وتوجيهها للصالح العام.