زكية إبراهيم الحجي
التنمية.. الثقافة والإنسان مقومات ثلاثية متكاملة تستند على أهداف أساسية تصنع رُقياً إنسانياً وحياة حضارية متطورة لأي مجتمع من المجتمعات.. والثقافة هي المعيار الذي تتحدد به هوية كل مجتمع بشري، ولا يمكننا تصور مجتمع بلا ثقافة، بل إن لكل مرحلة من مراحل أي مجتمع سمات ثقافية تتأثر وتؤثر في عوامل تنمية أو تفكك المجتمع، سواء كان ذلك اقتصادياً أو اجتماعياً أو غيره..
وارتباط العنصر الثقافي بالتنمية يأتي ضمن تنمية الثقافة البشرية والتوسع في البعد الثقافي لأي نشاط من الأنشطة المتعلقة بحياة الفرد والمجتمع والوطن لا سيما أن التنمية بمفهومها الواسع والشامل متعددة الأبعاد وتشمل تنمية اقتصادية واجتماعية وتنمية بشرية.. هي عملية مركّبة تغطي كافة مجالات حياة الإنسان.
ولا شك أن الاتجاهات والقيم والتقاليد والموروثات التاريخية التي يُشار إليها أحياناً مجتمعة بمصطلح الثقافة.. تلعب دوراً بالنسبة للسلوك الإنساني والتطور البشري جنباً إلى جنب مع نمطية الثقافات الأخرى ومجالات تنوع مصادرها، لذلك فالتوجه للاهتمام بدور الثقافة كعامل أساس يُؤثر على التنمية، هو توجه صحيح وجدير بالتشجيع والتعزيز.. ولا أظن أن هناك خلافاً حول أهمية دور الثقافة وتسخيرها لخدمة مختلف مجالات التنمية خصوصاً التنمية البشرية.
ولعل أجمل وصف يُمكن أن أطلقه على التنمية الثقافية والإنسان هي أنها فضاء تتحرك فيه مدارات معرفية بمنهجية متجددة وغير محددة، وذلك لتطوير وجدان معرفي مستقبلي يأخذ بتطوير قدرات الإنسان على الإبداع والابتكار.. البحث والتجريب واكتساب المهارات والمعرفة ويتجاوز من خلالها إطار النمطية في الثقافة المحدودة التي تدور في فلك النقل والتقليد، وهذا ما يحتاجه أي مجتمع هدفه الانعتاق من طور الجمود التنموي، وما تراكمَ فيه من أفكار عقيمة ورؤى لم تعد متوافقة مع مستحدثات العصر أو ملائمة لتطور كبير يشهده عالمٌ يتسم اليوم بمنظومة متكاملة من المعرفة والثقافة والتقدم المذهل في كافة المجالات.
الثقافة والتنمية والعنصر البشري أهم عناصر الإنتاج بشكل عام.. ونوعيته تُعتبر عاملاً حاسماً في تحديد التقدم أو التخلف للحياة البشرية، وبقدر سلامة البنية الثقافية للفرد تكون سلامة أدائه التنموي لمجتمعه وبيئته ووطنه.. وتنمية الموارد البشرية سابق في تنميته على أي تنمية أخرى.
واستناداً على ما تقدم، ومن أجل رؤية مستقبلية تهدف إلى تطوير عقل الفرد والرفع من مستوى إدراكه ووعيه وطرق تفكيره، وبالتالي خلق حالة فعل مجتمعية تعمل في ديناميكية مستمرة للوصول إلى آفاق تطويرية أكبر لا بد من ربط التعليم بضرورات الحياة الاجتماعية ووضع إستراتيجية دائمة للقضاء على كل ما من شأنه أن يُشكِّل تحدياً لخطط التنمية الثقافية.. إلى جانب العمل الدؤوب على خلق كوادر ثقافية قادرة على حمل رسالة التنمية الثقافية والوصول ببرامجها إلى أقصى درجات التحقق.. فكم من برنامج طموح أفسده روتين البيروقراطية.. وكم من برنامج قد يسهم في تحقيق فلسفة التنمية ثقافياً وسياسياً.. اجتماعياً واقتصادياً ظل حبيس الأدراج.
التنمية بشكل عام ليست عملية آلية يمكن إتمامها من خلال رفع معدلات الاستثمار، أو تحديث بعض أساليب الإنتاج، بل إن الدور البشري هو من أهم الأدوار في أي عملية تنموية، والجزء الأهم في عملية التشكيل الثقافي للفرد المكون للموارد البشرية هو التربية والتعليم، لذلك فنحن بحاجة ماسّة إلى إعادة النظر وبتركيز واهتمام للجانب التعليمي.. والتربوي.. ولبناء تنمية شاملة لا بد من إعادة النظر في العلاقة بين التنمية والثقافة من حين لآخر، لمواكبة جميع التغييرات داخلياً وخارجياً، ولتتماشى مع أي تحاور أو تبادل بين الثقافات المختلفة.