تركي بن إبراهيم الماضي
مبتدأ النار من مستصغر الشرر. كل التفاصيل الصغيرة التي أهملت في البداية تحولت إلى كوارث كبرى. كان بالإمكان تداركها لو تعامل معها الناس بحذر منذ البداية!
قبيل مظاهرات إسقاط نظام حسني مبارك في 25 يناير 2011م. عقد الحزب الوطني لقاءً إعلامياً ترأسه جمال مبارك للحديث عن استعدادات الحزب للانتخابات البرلمانية. سأل إعلامي جمال عن رأيه في أهمية الحوار والتواصل مع شباب الفيس بوك والتويتر وبقية شبكات التواصل الاجتماعية، فكان رده ساخراً وهو يلتفت لأعضاء الحزب قائلاً: «أبقوا ردوا عليه أنتم.. أو رد يا حسين» ثم ضحكات متواصلة تملأ جنبات القاعة التي غصت بممثلي الحزب.
لم تكن الضحكة إلا ضحكة النهاية. لم ير جمال مبارك في شباب شبكات التواصل الاجتماعية إلا رأس الجليد، فرآه صغيراً، ثم احتقره. لم يبحث عن أساس هذا الرأس ومدى صلابته!
فعل جمال كما فعل كل من غرق في غروره وجهله. وزيّن له سوء عمله أن ما يريد أن يراه هو ما يراه. كما فعل فرعون من قبل مع قومه: {فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ}، وهو ما ذهب به إلى مدى أبعد، يصفه قوله سبحانه: {قَالَ فِرْعَوْنُ مَا أُرِيكُمْ إِلَّا مَا أَرَى وَمَا أَهْدِيكُمْ إِلَّا سَبِيلَ الرَّشَادِ} (29) سورة غافر، ثم كانت نهايته المعروفة.
ليس الحديث هنا عن الدهاء والحنكة، فكل من تجاهل التفاصيل الصغيرة التي تحدث من حوله كان عارفاً بها، وكان يظن أنه صاحب حيلة يستطيع الالتفاف عليها وتجاوزها. لكن المعرفة ليست مجرد العلم بالشيء فقط. فالنار التي تسبب الحرائق هي أيضاً ما نحتاجها في استعمالاتنا اليومية، لكننا نستخدمها فيما يفيدنا، ونتحاشى أن تمسنا بسوء باتباعنا إجراءات السلامة.
كل العالم من حولنا يتغيّر، والشباب هم ركيزة هذا التغيير. تتوافر لهم الآن التقنية الحديثة التي تسمح لهم بالتواصل والتأثير دون أن يخرجوا إلى الشارع. عالمهم الجديد خلف الأجهزة الذكية، ومن يصل إليهم يستطيع أن يزرع بذور الخير أو الشر. هم وقود معارك جديدة، مختلفة، لا تمت بصلة لما كنا نعرفه أو قرأناه عن أي معارك في التاريخ. هذا عالم جديد تصنعه وتغيّره الأفكار الشابة.