تركي إبراهيم الماضي
أسست هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001م لعالم جديد لا ينتمي لما قبله. فتح الباب على مصراعيه لفتن تتوالد ولا تنتهي. تشكل هذا العالم، على عنوان رئيسي: صراع الأفكار المتضادة مع بعضها بعضا
التي تتلبس بقناعات وحشود وجماعات لا حصر لها، ولا تتوقف عن توليد وإنتاج جماعات أخرى أكثر تطرفا!
ولأن بلدنا عانى كثيرا من ويلات الإرهاب، فإن فكرة مواجهة الأفكار المتطرفة تبدأ من مواجهة هذه الأفكار، وتعرية أساساتها الفكرية الهشة. كان المسار يمضي على طريقين مهمين: تمثل الطريق الأول في برنامج المناصحة الذي يستهدف قطاع الشباب الذين وقعوا في شراك الأفكار المتطرفة.، في حين كان الطريق الآخر، يستهدف حوارا أشمل وأعمق بين مكونات المجتمع عبر تمثيلها من نخبة مختارة من هذه المكونات. وأعني بذلك جلسات الحوار الوطني التي دشنت مرحلة جديدة عنوانها الأبرز بناء ثقافة الحوار.
أتذكر أن د. غازي القصيبي -رحمه الله- كتب مقالة في الزميلة صحيفة الوطن في العام 2004م عنوانها «هدف الحوار هو إيجاد ثقافة للحوار» وأقتبس منها إضاءة مهمة: «الهدف من الحوار هو تعويد مجتمع لم يتعود على لغة التسامح التعددية على الحديث بهذه اللغة. والسبيل هو أن يبدأ الحوار في دائرة صغيرة تحت مظلة المركز، ثم تتسع الدائرة فتشمل وسائل الإعلام، ثم تتسع فتشمل البيوت والمجالس، ثم تتسع فتدخل المدارس والجامعات».
مضت أكثر من عشر سنوات منذ انطلاقة أول جلسة للحوار الوطني، فمالذي تغير؟
هل أصبح أفراد المجتمع أكثر قدرة على التحاور وخاصة الأفراد المؤثرين في كافة المجالات؟
الحقيقة أننا لا زلنا بعيدين عن هدف « إشاعة ثقافة الحوار» طالما أن الغالب يتحدث أكثر مما يستمع.
في المقالات الصحفية، وفي الآراء المنشورة في شبكات التواصل الاجتماعية، لا تزال لغة الأنا عالية - إلا من رحم ربي - والانتصار للذات هو الهدف من الحوار. بل إن الغضب في بداية الخلاف يدفع بأحد المتناقشين إلى شتم أو لمز أو السخرية من صاحبه، ثم يتحول الحوار عن فكرته الرئيسية إلى نشر المفردات الساقطة.
قد لا يرى المتشائم أي انفراجة في هذا الشأن. وفي رأيي المتواضع أن استمرار هذا النقاش، سيدفع أكثر الناس إلى القبول بمفهوم الحوار الحقيقي. لا نزال في أول الطريق، لكننا بحاجة أكثر إلى إشاعة هذا الحوار بشكل أكبر في القطاعات الشبابية التي تمثل ركيزة المجتمع، وهو ما يتاح نشره على الأقل في الجامعات، عبر المناشط الطلابية.