عبدالعزيز بن سعود المتعب
القصيدة جزء لا يتجزأ من مكونات الأغنية، إن لم تكن ركيزتها الأساسية التي - قد - يُحتكم إليها في أسباب نجاح الأغنية من عدمه، والعلاقة بين القصيدة الشعبية في حقل الكلمة واللحن علاقة تاريخية سبقت عصر الأغنية منذ (الحداء وأهازيج الحرب والعرضة والسامري وغيرها من أمثلة الموروث المتعددة منذ القِدَمْ).
وقبل أيام قليلة في أحد الصالونات الأدبية، وبوجود نخبة من المثقفين والأدباء والشعراء الشعبيين دار حديث حول القصيدة المغنّاة تفرّع لأكثر من جانب، أطرح هنا فحوى ما أُتفق وأُختلف حوله تبعاً لوجهات النظر المختلفة، فبعض الحضور بكل شفافية قال إن القصيدة الجميلة ستبقى ولن يقف في وجهها (شعراء الدراهم) المدعومين من بعض الشركات الفنية، وقد كان حضورهم في الأغنية - عابر - رغم تكراره المُمِل، بينما هناك شعراء توفّوا قبل أكثر من قرن من الزمان ولكنهم حضروا عبر استشهادات رفاع الذائقة في قصائدهم وفي الموروث والأغنية، ربما عبر قصيدة واحدة فرضت نفسها على كل ما سبق الإشارة إليه لسبب بسيط هو أن شاعرها مطبوع وليس مصنوعاً، واستشهدوا بقصيدة (ياجر قلبي جر لدن الغصوني) للشاعر الدجيما رحمه الله.
(دخيل الله بن عبد الله بن مرضي الدجيما الثعلي العضياني العتيبي) المولود سنة 1270هـ والمتوفى سنة 1320هـ على وجه التقريب والقصيدة مطلعها:
يا جر قلبي جر لدن الغصوني
غصون سدرٍ جرّها السيل جرَّا
ومنها:
لا مبعدٍ عنهم ولا قرّبوني
ولا عايفٍ منهم ولاني مورّا
والقصيدة أشهر من نار على علم وغناها الفنان محمد عبده، كذلك أشار أصحاب وجهة النظر هذه إلى الشاعر ابن شريم رحمه الله المولود سنة 1300هـ والمتوفى سنة 1363هـ (سليمان بن شريم، ولد في عين بن قنور في اقليم السر، التابع لمنطقة الرياض، من قبيلة بني زيد القضاعية القحطانية)، وقالوا بأن كلاً من هذين الشاعرين الكبيرين حجّة تصب في تاريخ نجاح القصيدة العذبة المُغنَّاة وتحديداً في الوجه المشرق لها، واستشهدوا بقول بن شريم - رحمه الله:
وحياة ربٍ كمّله بالجمالي
من مفرق الهامة إلى حد ما طاه
إنّه من أول وأمس واليوم غالي
واتلى زمانه بالغلا مثل مبداه
ما له حلي إلى مودة عيالي
أصغر عيالي بالغلا كنّه إياه
ومضى أصحاب وجهة النظر هذه في هذا الشأن ليضيفوا أن هناك أسماء كبيرة في مجال الشعر ارتبطت قصائدهم بالأغنية الأصيلة؛ مثل الأمير خالد الفيصل والأمير بدر بن عبد المحسن وإبراهيم خفاجي وفائق عبد الجليل والمحضار وأسماء قليلة أخرى قبل أن يختلط الحابل بالنابل، وفي المقابل كانت هناك أصوات من الحضور تُمثِّل وجهة نظر أخرى تحمل تصوراً نصه أنه لابد من إعطاء فرصة لبعض الشعراء الشباب، ولابد من الصبر على تمرحل تجربتهم حتى تنضج، وهنا قاطعهم أحد الحضور أصحاب وجهة النظر الأخرى مضمِّناً مداخلته سخرية هادفة بقوله تمرحل الشاعر في الأغنية لا تصنعه الدراهم لشعراء تجاوزوا مرحلة الشباب ولم يقدموا طيلة مشوارهم نجاحاً يُشار إليه وذكر أسماء تتحفّظ - مدارات - على طرحها بحكم طرحها الموضوعي الذي يرفض أي شخصنة.
بينما كانت هناك أصوات فحوى وجهة نظرها أنه لا يصح إلاَّ الصحيح، والزمان في النهاية كفيل بفرز الجيد من السيئ من شعر الأغنية، وسيبقى لسان حال شعراء الأغنية المتمكنين هو المثل (الجميل من يصنع الجميل).
Handsome is who handsome does