فهد الحوشاني
ألاحظ أن دور المشايخ والدعاة في المجمل يتمحور حول النصح والإرشاد من خلال المحاضرات والبرامج التوعوية، وكان لهم نشاط واضح في السابق عبر الأشرطة (الإسلامية) وفي الوقت الحالي عبر وسائل متعددة منها القنوات ( الفضائية) التي رفضوها في وقت ما!!
وهم انقطعوا لهذا الأمر وأعطوه جل اهتمامهم، وإذا كان ذلك مهماً في الوقت الماضي نظراً لعدم توفر المعلومة الدينية بما يكفي إلا عن طريق شخص متدين، فالآن أصبحت المواقع تحفظ العلم الشرعي الموثق وأصبح لها مواقع رسمية معتمدة! وإذا بقي هذا هو دور الشيخ أو العالم فإن مكانته سوف تتناقص عن ذي قبل أمام فيضان المعلومات الدينية وسهولة الوصول إليها! هذا مدخل أحببت أن أفتتح به المقال، لكن موضوعي هو عن دور الشيخ أو العالم في أن يكون مؤثراً وقائداً تنويرياً في التنمية والنهضة العلمية يطلق إسهاماته لبناء المجتمع وتطويره، وما أثار ذلك عندي هو ما استعرضته من تصريحات يوردها بعض المشائخ عند زيارتهم لأمريكا وأوروبا، فغالبيتهم يعلنون أنهم وجدوا شعوباً تطبق مبادئ الإسلام! كان أولهم الشيخ محمد عبده والذي قال بعد زيارته مقولته الشهيرة (وجدت إسلاماً ولم أجد مسلمين).
ثم كان لبعض المشايخ مثل عايض القرني تصريحات مشابهة.. ثم ما نسب إلى الشيخ عادل الكلباني والذي قال رأيت في أمريكا وأوروبا (الإسلام الواقعي) فهم يطبقون كثيراً من مثاليات الدين الإسلامي عملياً. واذا كان في بعض ما قاله أولئك المشائخ نقداً مبطنا لنا ولسلوكياتنا كشعوب، فهل من حقنا أن نسأل: هل للمشايخ دور في ما نحن فيه؟.. بمعنى هل كان أولئك المشايخ يستطيعون أن يكون لهم دور في أن نكون مثل شعوب أمريكا وأوروبا من ناحية الالتزام بمادئ الإسلام ومثلهم في التقدم العلمي.. وإذا كانوا يستطيعون القيام بمثل هذا الدور وهم -ما شاء الله تبارك الله- بعشرات الآلاف، فلماذا لم يقوموا به؟.
وماهو دور أولئك المشايخ والعلماء في أن ندخل إلى عالم التقنية والتطور والحداثة وأن نصل إلى مصاف دول مثل أمريكا وأوروبا التي زاروها وأعجوا فيها.. ألم يأمرنا الله سبحانه وتعالي أن نعد ما استطعنا من قوة ومن رباط الخيل!! والقوة في هذا الزمن، لا تأتي إلا من خلال التقدم العلمي والتكنولوجي، فكم هو عدد المشايخ الذين يساهمون بجهودهم في أن نعد تلك العدة! لا يمكن إعداد العدة إلا في مجتمع متعلم متطور.. فهل يدفع المشائخ والدعاة -حفظهم الله- مجتمعاتهم الإسلامية إلى التطور التقني والعلمي باعتبار أن هذا هو المسار الوحيد لإعداد العدة!! هل يحثون المجتمع على فتح المصانع وحض الشباب على الاختراعات والانخراط في المدارس والكليات المتخصصة بالعلوم البحتة؟! هل ذلك من أهداف المشائخ والدعاة أم أن بعضهم كان إلى عهد قريب يعارضها ويقصر العلوم على العلم الشرعي، والذي على أهميته باعتباره يدرس الطلاب الدين الذي هو فلاحنا وصلاحنا، لكنه لايبني مصنعاً ولايصنع سيارة أو طائرة أو يعد العدة! أم أن اهتمامهم منصب فقط على الدعوة والمحاضرات النظرية وهي رغم كثرتها لم تجعل المجتمع مجتمعا يتمسك بمبادئ الإسلام كما وجدوه في الغرب!! ولاتجعل من المجتمع أيضاً مجتمعاً صناعياً منتجاً! لقد كان جل اهتمام علماء الدين الأوائل هو افتتاح المدراس الدينية والمعاهد العلمية وهذه المدارس المهمة في العلم الشرعي والتفقه في الدين لاتضع في حسبانها (أعدوا لهم ما استطعتم) ولذلك فهي لا تخرج العلماء ولا المفكرين ولا المبتكرين، بل إنها تخرج نسخاً متشابهة من الطلاب كما هو حال التعليم العام، فغالبهم يتخرجون دعاة يتحدثون (بعد انحسار الأمية) بما يعلمه الناس، تستقطبهم القنوات في برامجها الدينية ليملؤوا وقت البث المخصص للبرامج الدينية، ونحن نعلم أن الدين، وكما قال مالك بن نبي: (يصنع أرضية للعلوم والصناعة ولكنه لا ينتجها).. بل لقد أصبحت الدعوة الآن ليست مقصورة على المشائخ الذين تخرجوا من كليات الشريعة وغيرها أي المتخصصين في العلوم الدينية، بل إن هناك من التائبين ومن الهواة من أصبح داعية مشهوراً في تاريخنا الإسلامي نجد الكثير من العلماء الفقهاء لكن كان لأغلبهم نشاطاً علمياً ففيهم مخترعون وأصحاب نظريات في الهندسة والفلك والحساب وغيرها، فأين علماؤنا الآن ممن سبقوهم..؟!.