إبراهيم عبدالله العمار
أيها القارئ، عندي لك سؤال: إذا شربتَ الكثير من الشاي والقهوة، هل سيفكك جسمك مكوّناتها ويأخذ منها حاجته من الماء؟
إذا قلتَ «نعم»، فأرجو أن تذهب الآن للمطبخ وتشرب كأسين من الماء على الأقل، فإنّ جسمك يصرخ طالباً الماء وأنت تتجاهل نداءاته!
اعتقاد أنّ الشاي والقهوة والمشروبات المصنّعة يمكن أن تحل مكان الماء الصافي خطأ فادح. صحيح أنّ هذه المشروبات تحوي الماء لكنها تحوي مواد مجفِّفة مثل الكافين. هذه المواد تزيل من الجسم الماء الذي هي ذائبة فيه، بالإضافة لماء إضافي يحويه الجسم أصلاً. عندما تشرب القهوة أو الشاي أو الغازيات أو البيرة، فإنّ جسمك ينفي كمية من الماء أكبر من الموجودة في المشروب، وإذا قست كمية البول الخارجة لاحقاً ستجد أنّ الخارج أكثر من كمية المشروب الذي شربته. طريقة أخرى يفقد بها الجسم الماء من المشروبات الساخنة هي التعرق، فيخرج الماء من المسامات بسبب المشروب الحار. من المصائب اليوم أنّ الكثير من الأطباء يجهل أعراض الجفاف، وأهمية الماء للجسم، لذلك يشخصون الأمراض بشكل خاطئ. صداع، آلام عضلات، أوجاع في أماكن «عشوائية»، آلام صدر، آلام ظهر، مناعة ضعيفة، والكثير غير ذلك، كلها تأتي بسبب الجفاف. يرى الطبيب أعراض الجفاف لكن يجهل أنّ قلة شرب الماء هي السبب، ويظنها مرضاً آخر فيعالجها بأدوية لا علاقة لها بالجفاف والذي حلُّهُ فقط شرب الماء، والنتيجة: شركات الأدوية تغتني، المرضى لا يشفون، والأطباء عاجزون عن التعامل مع أمراض تعود باستمرار.
نحن لا نعلم الكثير عن الجسم. معلوماتنا عن الجسم وطريقة عمله الكيميائية ضئيلة، يقدرها أطباء أنها لا تتعدى 10%. إن استخدام الأدوية الكيميائية لإخراس نداءات الاستغاثة التي يطلقها الجسم بسبب الجفاف يمكن أن يضر فوراً خلايا الجسم حتى التركيب الوراثي (الجيني). نعم، الوراثي! الجفاف المستمر يمكن أن يسبب ضرراً دائماً ليس للشخص فقط بل لذريته!
لتفصيل إحدى وظائف الماء، فإنّ الماء يشكل محيطاً مائياً يسمح للجسم أن يُتِمَّ فيه عملياته الضرورية. وجدت دراسة إحدى المؤسسات الطبية أن البروتينات والأنزيمات تعمل بشكل أكثر كفاءة في المحاليل ذات اللزوجة الخفيفة. البروتينات والأنزيمات تحتاج الكثير من الماء لتنتشر وتعمل بكفاءة، وخذ هذا المثال لتقريب الفكرة: تخيل أنّ سبّاحاً محترفاً يسبح لكن المسبح مليء بالأطفال، هل سيقدر أن يسبح ببراعته المعتادة؟ لا. نفس المنطق ينطبق على الأنزيمات في خلايا الجسم .. الأنزيمات التي تسبح في ماء الخلايا وتحتاج أن تتواصل مع رفاقها وتكمل مهمتها، تعجز عن أداء مهامها بكفاءة لأنّ المحيط صار غليظاً لا يسمح بحرية الحركة، فتظهر الأمراض والآلام.
لا تظن أنّ هناك أي مشروب يمكن أن يعوض عن الماء الصافي، ولا حتى المشروبات النافعة التي تحوي الكثير من الماء. {وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاء كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ}، كل شيء، بما في ذلك كل خلية في جسمك، كلها تصرخ بك وتقول: «نريد الماء!»، وتحاول أن تجذب انتباهك بأن تُظهر لك الآلام والأمراض، فعالجها بالماء الصافي، ولا تخمد صرخاتها بالأدوية.